لعل أسوأ صراع سياسي هو ما يصبغ بصبغة دينية، لأن اطراف هذا الصراع يجيرون كل اساليبهم في الصراع، وإن كانت على درجة كبيرة من السوء إلى أن الدين هو ما دعاهم اليها، وهذا جور على الدين، وهو ولاشك بريء منه، فالدين في اصله يجمع ولا يفرق، يدعو الى العدل والانصاف حينما يقع الاختلاف، ولكن المتصارعين سياسياً يسعى كل منهم ان يغلب خصمه، ولا يهمه ما يقع من خسائر بشرية ومادية بسبب هذا الصراع، ولعل اول صراع سياسي وقع في حياة أمتنا هو ما وقع في الفتنة الكبرى بعد مقتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو صراع في أصله سياسي لا ديني، ولكنه ألبس رداء الدين فاشتد وامتد لا عقود فقط، بل واستمر قروناً، ولا يزال المسلمون يعانون من آثاره حتى اليوم، فانقسام المسلمين الى شيعة وسنة كان من نتائج هذا الصراع، وضم الى الطائفتين شيعاً اخرى، لكل طائفة اشياع، واصبح الصراع لا يهدأ على مر الزمان وللاسف، واليوم وقد تطورت الحياة في كثير من مجتمعات البشرية، وأوجدت وسائل حديثة لحل الصراع السياسي بأسلوب ارقى، كالديمقراطية وآلياتها وتقنياتها، والتي ألغت الكثير من حدة الصراع، وجيرته لسلوك حضاري متمدين وأبعدته الى حد كبير عن الدين، فالمتصارعون سياسياً عبر احزاب يقدمون برامج للحكم والنهوض بالاوطان، وعلى أساسها يقترع الناس لاختيار من يقنعهم ببرامجه ليدير الدولة زمناً، يعاد بعده الاقتراع مرة اخرى فما ان يبقى الاقتناع ببرامجهم فيبقون في سدة الحكم، واما ان يزول هذا الاقتناع فيختار الناس حزباً آخر له برنامج مختلف، ودوماً الفرقاء يسلمون بنتائج الاقتراع، وبهذا لم يعد لاستمرار الصراع اسباب، ولا يعلق استمراره على شماعة الدين، وحتى الاحزاب التي ظاهرها ديني، انما تنتخب على اساس برامجها المدنية لا الدينية، واظن ان نقل هذه الصورة الى مجتمعاتنا حتى اليوم لم يتم الا شكلياً، ولا نزال حتى في هذه الشكلية نستخدم الدين كوسيلة للحصول على السلطة، ولا نزال نجرب والزمن كفيل بأن نقتنع ان الصراع السياسي لا يمكن حله دينياً، فهل يتحقق هذا.. هذا ما نرجوه والله ولي التوفيق.
الوسومالديمقراطية الدين السلطة سياسي صراع
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …