إن من الأدواء الخطرة التي تصيب المجتمعات الإنسانية أن تسودها أفكار طائفية تجعل من أفرادها متحيزين لطائفتهم، شديدي العداوة للطوائف الأخرى، وسواء أكانت الطوائف دينية أو سياسية، فالتعصب لها مدمر لأمن المجتمعات، والله عز وجل خلق الناس مختلفين، فربنا عز وجل يقول: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، وهذا الاختلاف لا يُتوهم زواله بالكلية وإنما تخفيفه، ولا يكون ذلك إلا عبر التعايش بين المختلفين، وعدم التصادم بينهم، فالدعوة إلى الأديان والأفكار إذا كانت منضبطة، بحيث تكون عرضاً، وللناس أن يختاروا ما شاءوا، لا تؤدي أبداً إلى صدام، وأما حين تحتكر طائفة الحق والصواب، ولا تعترف بشيء منه للطائفة الأخرى، حينئذ يثور التصادم، بل الاقتتال في كثير من الأحيان، وما ثار تصادم طائفي بين طائفتين أو أكثر إلا وكان مدمراً، وهذه طبيعة خاصة في الاختلاف الطائفي، لا يشاركها فيه سوى الإرهاب، وبالنظر الدقيق لما يقوم به خوارج العصر في بلادنا الإسلامية يشير بوضوح إلى أنهم يتعصبون لأيديولوجيتهم، فلا يرون صواباً إلا فيها، ولهذا فكل من خالفهم فهو عدو يجب قتله، والقضاء عليه، أما التعايش معه فليس وارد في مذهبهم أبدا، وكذلك المعتنق للفكر الطائفي، لا يعترف لغيره بصوابٍ أبدا، بل لا يراه صاحب حق أن يعتنق من الأفكار والمذاهب سوى أيديولوجيته، وإلا فهو العدو الذي يريد القضاء عليه، حتى يخلو الجو له وحده، ودوماً ما نشأ مثل هذا في مجتمع وناله استقرار أبداً، فإن نخرت فيه الطائفية حيناً زاحمها غرهاب فاسق من ناحية أخرى، وقد تجد حيناً أن الإرهاب والطائفية يتفقان ولو كانا في الظاهر يعلنون الخلاف، فالطبيعة واحدة، والفعل يتشابه، وما تمر به بعض أقطارنا الخليجية هذه الأيام شاهد على ذلك، فالطائفيون وإن لم يتفقوا مع الإرهابيين إلا أنهم ينهجون نهجهم يزهقون الأرواح ويعتدون على الأموال ويحاربون السلطات، كما يفعل الإرهابيون تماماً، وكأنهم ينهلون من مصدر فكري واحد، وستجد ملامح لهذا في عصرنا واضحة جلية، ولابد لنا من مقاومة لكليهما قوية ومباشرة حتى نوقف خطراً يداهم مجتمعاتنا.. فهل نفعل؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.