بعد أيام قليلة يبدأ عام هجري جديد، فكل عام وأنتم بخير، وقبل ما يزيد على 1436 عامًا كان للمسلمين بمكة مع سيدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بعد أن ضُيِّقَ عليهم وأوذوا ومُنعوا من ممارسة شعائر دينهم فريضة من الله هجرتان، أولاهما كانت إلى الحبشة، حيث كان فيها ملكٌ لا يُظْلَم عنده أحد، وتكررت مرة ثانية، ثم كانت الهجرة المختارة إلى الأرض الطيبة، التي بنى فيها سيدنا رسول الله وصحبه أول مسجد تعبّد فيه المسلمون، ومنه نشروا دينهم بين الناس في المدينة التي نوّرها هذا الدين الحنيف، حينما شرّفها الله بهجرة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وصحبه إليها، ثم زادت تشريفًا ببناء مسجده النبوي فيها، ثم زاد الله شرفًا بقبره الشريف – صلى الله عليه وسلم- وكانت الهجرة إليها فرضًا لمن قدر عليها، ولم يقبل حينها أن يقيم بين ظهراني المشركين أحد من المؤمنين إلا إن كان مستضعفا لا يستطيع الهجرة، ولما فتحت مكة أصبحت دار إسلام، ولا هجرة منها، وإنما جهاد ونية كما جاء في الحديث.
واليوم أصبحت الهجرة مرتدة في دار الإسلام إلى غيره مع أحداث جسام مرت بكثير من الأقطار الإسلامية إلى ديار غير المسلمين من أهل الكتاب أو غيرهم، ولعلها إلى ديار أهل الكتاب أكثر، يتسابق المسلمون للوصول إليها والإقامة فيها، ولو كان في طريقهم لذلك الموت الزؤام (الكريه)، بغرق في بحر، أو موت في سيارة نقل للبترول أو السوائل، أو حتى الموت جوعًا، أو بأثر الأجواء غير المناسبة، ويشتد الألم ونحن نرى إخوانًا لنا يفرون من بلادهم التي سيطر عليها الإرهاب والقتال المتبادل، الذي جعل مدنها خرابًا ولم يعد أحد فيها يأمن على حياته وحياة أطفاله وأسرته، وكأنه قد خطط لتفريغ بعض الأوطان العربية من سكانها، يسهل تقسيمها إلى كينتونات عرقية ودينية، لم تخجل بعض مخابرات الغرب أن تُسرّبها وترسم لها الخرائط، ويأسى المسلم وهو يرى إخوانه نهبًا للذل والمهانة ينتقلون بين بلدان العالم، وتعتبرهم بعض شعوبه خطرًا عليهم، في حين أن ديار المسلمين كان يُهاجِر إليها الخلق، لأنهم يجدون فيها الحماية والأمن والمساواة والعدل، حتى أن هؤلاء اليهود الذين يتجرّأون اليوم على المقدسات الإسلامية في فلسطين، ويقتلون إخواننا فيها، لم يأمنوا على حياتهم وأموالهم إلا عندما هاجروا إلى الدولة المسلمة الواحدة قديمًا، وعاشوا بين المسلمين آمنين، فمتى ينتهي هذا التشرذم لتعود الأمة الإسلامية؛ الأمة القوية التي تدفع الشر عن نفسها؟! هو ما نرجو أن يكون قريبًا، والله ولي التوفيق.