حقاً إن فرعاً من العلم الاقتصادي السياسي يبحث في العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية، والتي حاولت الدول مجتمعة بعد أن انتهت الحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي دمرت كثيراً من حضارات الشعوب في هذا العالم، وثقافاتها، وجعلت العلاقات تبنى بينها على مصالح مادية دون سواها، حتى أصبح الشغل الشاغل للدول -ولو كانت متجاورة- الخلافات المؤدية إلى الشقاق، ثم محاولة الحصول على موارد الدول والشعوب دون وجه حق، وإن كان ظهور هيئة الأمم المتحدة بين الحربين العالميتين محاولة للوفاق بين الدول، والتي لم يحصل بينها هذا الوفاق منذ ذلك الحين، بل أصبح نهم الدول في السيطرة على بعضها، والحصول على بعض مواردها أساس للعلاقات بينها، فاقدة لمعنى العلاقات الإنسانية السوية، ولئن الحروب المدمرة كانت غربية المنشأ والمصدر، فإن العلاقات الدولية منذ ذلك الحين لم تعد علاقات إنسانية أبداً، وبنيت العلاقات الدولية على أساس أن الأكبر منها يتحكم في الأصغر، والأقوى في الأضعف، ورأينا ذلك يصبح مظهراً لما أسميناه الاستعمار، والذي جعل الدول الغربية الأقوى تستعمر الدول الشرقية الأضعف، وتحصل على كل مواردها من أجل أن تبني نفسها، فكانت العلاقات الدولية دوماً علاقات تبنى على أن يستعمر الأقوى الأضعف، ويتحكم في جميع أموره، وتعرضت دول الشرق كلها، إلا ما ندر، لاستعمارٍ بغيض حطَّم شعوباً وأفقرها، وقوَّى شعوباً أخرى وأغناها، ولما انتفضت الشعوب المستعمَرَة كانت قد بلغت حداً من الضعف لا يؤهلها لإعادة الأمور إلى نصابها، ولم يتحقق لها العدل، فظلت هي الأضعف، وأصبحت الدول الغربية الأقوى، وهي المهيمنة على الدول الشرقية الأضعف، والتي تعرضت لاستعمار دمرها، ولما انقشع عنها كانت في حال من الضعف بحيث لا تقوى على مناهضة الدول الغربية المستعمرة الأقوى، وآثار ذلك لازالت حتى اليوم ظاهرة وآثارها للأبصار بادية، ولن تستقيم أمور العالم أبداً ما لم يُرفع الظلم عن الدول الشرقية ويعترف المستعمرون لها من قبل بحقوقها في ثرواتهم، وبناء العلاقات على العدل والإنصاف، والبعد كلياً عن الأساليب الاستعمارية القديمة للحصول على ثروات الأمم الأضعف ومواردها، ومنع كل تطور فيها أيا كان قدره، وبناء هذه العلاقات على أصول إنسانية من العدل المادي والمعنوي، لتعود تلك الدول الأضعف لمكانتها بين دول العالم، وبعد أن تستعيد كافة حقوقها.
الوسومالإنسانية الدول العلاقات مفقودة
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …