إن مما لا يشك فيه إلا جاهل، أن الأخلاق في دين الله أحكام شرعية واجبة النفاذ، فالصدق طاعة تهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، والكذب معصية من كبائر الذنوب تهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وصون اللسان عن ذم الناس أو سبهم أو شتمهم تقوى تمنع أن يُكبَ المسلم على وجهه في النار، فقد ورد بهذا الحديث الصحيح، الذي جعل الصدق واجباً، والكذب محرماً، والذي يعلمه الكثير من الناس، ويمرون به مرّ العجل الذي لا يلتفت إلى تدبر النصوص الشرعية وما دلت عليه، فيصبحوا كأنهم لم يقرأوه ولم يعلموا له معنى، وكذا كل خلق نبيل حث عليه الدين،
مع أخذ الاعتبار بكل نهي عن خلق رديء، فالأخلاق الحسنة في الإسلام كلها واجبات أو مستحبات، والأخلاق السيئة كلها محرمات أو مكروهات، والعالم الحق أولى الناس أن يعلم هذا ويلتزمه، فأخلاق العلماء إذا جافت ما أوجب الدين وندب إليه، وانقلبت إلى ما يضاد ذلك من الأخلاق الرديئة، التي تنبو عنها الطباع السليمة، فما هم بالعلماء، ولا صلة لهم بهذا العلم النافع الذي مصدره كتاب الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وما كان عليه سلف علماء الأمة الأبرار، الذين وهبهم الله العلم والتقى، وكانوا للناس نجوماً يقتدى بهديهم، فما علم هؤلاء بجانبهم إلا ادعاء وما دعوتهم إلا صد عن سبيل الله القويم، وإذا وجدت من يدعي منهم أنه يعالج الحدة تصدر عن مأمور بمعروف ومنهي عن منكر في تقديره بمثلها حدة أو أشد مع أن الأصل أن يصبر الداعي على أذى من يدعوهم، لا أن ينتصف منهم لنفسه إن لم يقبلوا موعظته بسبهم وشتمهم واتهامهم بشتى التهم، فإن كانوا سفهاء فواجههم بمثل ما واجهوه به فقد سواهم، وإن لم يكونوا سفهاء وأعرضوا عنه، فهم أكرم منه وأكثر أدباً، ومواجهة المدعوين بمثل هذا الأسلوب الرديء ليس من الإسلام في شيء، ولا يكون من عالم أو داعية أبداً، فإن وجدت هذا منه فاعلم أنه ليس كذلك، وأما أن يصف أحداً من الناس مهما تدنت مكانته بأنه لا يساوي بصقة أحد من الخلق، مهما علت مكانته، أو أنه يصفه بأنه كاذب، أو منافق، سواء أكان فرداً أم جماعة، ويعتبر هذا من النصرة للحق أو الدين، فاعلم أنه ضل سواء السبيل، فلا ينصر الحق أو الدين بما حرم الله، من هذا اللون من السباب المتدني، والتهم الجاهزة، فهذا ولاشك مفارقة للحق لا نصرة له، وبعد عن خُلق العالم الداعي إلى الله، فاتهام جماعة من الناس كبيرة بأنهم يتعاطون الحشيش والمخدرات، واتهام المبتعثات بأنهن يساكن طلاباً آخرين لا تربطهم بهم صلة قرابة أو نكاح، سواء أَعيَّن هؤلاء الذين اتهمهم بذلك رجالاً ونساء أم لم يُعيّنهم، وسواء أشملهم كلهم بالتهمة أو بعضهم، فهي تهم خطيرة لا تثبت على أحد إلا بإقرار أو بينة وإشاعة مثل هذا هو من باب إشاعة الفاحشة، ولا أظن مطلق هذه التهم قادر على إثباتها ببينة، والعجب أن يقول بها دون أن يكون لذلك فائدة سوى تجريح لأبناء أسر كريمة من أبناء هذا الوطن، وكم تمنيت لو أن المحتسبين رسميين ومتطوعين احتسبوا على مطلقي مثل هذه التهم على الأبرياء، وعلى من يتناولون أعراض الناس بالانتقاص ويشتمونهم علناً عبر الوسائل المختلفة، ودعواهم باستمرار أنهم ينصرون الحق، وما ينصر الحق بالباطل، وتم مساءلتهم حتى لا يتجرأ أحد على مثل هذا، وحتى نحفظ لمجتمعنا سلمه الاجتماعي، وحتى نحميه من هذا السيل من هذه التهم توزع على الأبرياء بالمجان، وهذه الشتائم والسباب التي تخدش الأسماع، ولا يكاد أحد يسلم منها عظمت مكانته أم تدنت، فقد نبتت في بلادنا نابتة لا هم لهم إلا هذا، مما لا يرضى عنه الله ولا رسوله – صلى الله عليه وسلم ولا صالح المؤمنين، فهل يا ترى تؤيدونني في هذا؟ هو ما أرجوه والله ولي التوفيق.