مما لا شك فيه أن العلم بالدين نقيض للرذائل، فلا أحد يدعيه وهو يرتكب بعضَ الرذائل التي حرمها الشرع يقينًا، وعُلم تحريمها من الدين ضرورة، فالكذب مثلا كبيرة من كبائر الذنوب التي حرمها الله وتوعد من كان الكذب له عادة بالعذاب، وعدّ سيدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكذب علامة على النفاق، فحينما يدعي أحدٌ العلم، وهو يستخدم الكذب حتى في حواره مع المخالفين له بالرأي فأشهد له بقلة العلم بل وضحالته، كذا من لا يتورع من الوقوع في أعراض الخلق في كل حين ويتهمهم بما ليس فيهم ويعلن ذلك للخلق قصد انتقاصهم والإساءة إليهم، وهو يعلم أن هذا محرم شديد الحرمة ثم يدعى العلم فهو ناقص المعرفة الدينية ولاشك، كذا من يبهت الناس لخلافه معهم أو لكراهية تسكن قلبه لهم فيتهمهم بما ليس فيهم، وهو يعلم يقينًا أنه كاذب، ثم يدعي العلم، فقل له أن العلم لا يجتمع مع استحلال المعاصي أبدًا، والعمل في ذاته فضيلة، وهو حتما لا يهدي إلا إلى كل الفضائل، فما جاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليتمم مكارم الأخلاق، لذا كما روت لنا أمنا عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن، وما ترك وسيلة لإبلاغنا بذلك إلا وفعل، وأنزل عليه كتاب ثلثه أحكام خلقية نافذة، فإن كان الناس يتحلون بفضائل الأخلاق ليحترمهم الناس، فالمسلم يتحلى بها لأنه مأمور بالتمسك بها، يثاب على فعلها، ويعاقب على تركها، فكيف بالعلماء الذي وصفهم ربنا فقال «إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور»، فالخشية من الله علامة العالم، فإذا لم يخشه ورتع فيما يرتع فيه الناس من الذنوب والرذائل فليس بعالم حتمًا، يقول سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه (ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية)، ويقول الحسن البصري من التابعين «العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه»، لذا اهتم العلماء بالتأليف عن أخلاق العلماء وما يجب أن يكونوا عليه من السلوك، وتحدثوا عن أمراض النفوس وأخطارها ليتجنبها طلاب العلم من حين الطلب، وليروضوا أنفسهم على كل أدب حث عليه الإسلام إنهم ادركوا أن العلم والفضيلة صنوان، لا يستقيم أمر العالم إلا إذا تحلى بالفضائل وتخلى عن الرذائل، فالعلماء ورثة الأنبياء، هم القائمون على إرث النبوة فإنهم مطالبون بالاقتداء بسيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قولًا وفعلًا لا يند عنهم من الأخلاق ما يفقدهم ثقة الناس، فالعلم لا تتعلمه لتباري به الخطباء أو تجاري به العلماء، أو لتجلب به أنظار الناس إليك، إنما العلم لتعمل به قبل أن تعلّمه، فمن علّمه الناس ولم يعمل به خسر دينه ولم يكسب دنياه، العالم يرتفع عن الدنايا فلا تقع منه أبدًا، يصبر على الأذى ليصل به إلى قلوب الناس، فغايته أن ينقذهم ويهديهم إلى الحق، لا لينتقم لنفسه، تروي لنا أمنا عائشة رضي الله عنها فتقول «ما ضرب -صلى الله عليه وسلم- بيده خادما قط، ولا امرأة، ولا ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا خيّر بين أمرين قط إلا كان أحبهما إليه إيسرهما حتى يكون إثمًا، فإذا كان إثمًا كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه، حتى تنتهك حرمات الله عز وجل»، وهو قدوة كل عالم فمن بحث عن أدب غير أدبه لم يوفق إلى خير، وقد نبت اليوم في بلادنا الاسلامية نابتة تدعي العلم وتنسب نفسها إليه وهي أبعد الناس على أدب الاسلام، تراهم يغلظون للناس الخطاب، ويرمونهم بالتهم لسوء ظن بالناس وتزكية للنفس، يدعون على الخلق ويلعنونهم، ويتبارون في الفاظ السباب والشتائم من كل لون لمن ظنوا به الظنون وأساءوا اليه ولم يعلموا حقيقة أمره بعد، وتعجب كيف ينسب هؤلاء أنفسهم للعلم وهم لا يعرفون من الفضائل شيئا، ثم تعجب لمن يصمت عن أفعالهم وأقوالهم ولا يوجه لهم نصيحة، وإن كانوا من تلامذته أو اتباعه لا يردعهم عن سوء خلق، حتى إذا لم يصغوا اليه فارقهم، لا حاجة للعالم بأمثالهم، فهم يسيئون إليه ولا يحسنون، وضررهم على الناس بالغ، فهم ينفرون الناس عن خلق الدين وآدابه، فهلا كان لنا موقف من هؤلاء حتى نردهم إلى الحق ونأطرهم عليه، هو ما أرجو والله ولي التوفيق.
Check Also
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …