سد الذرائع والتحريم

لا أحد يشك أن التحريم إذا لم يكن بنص صريح لم يكن تحريمًا معتبرًا فربنا عز وجل يقول محذرًا: ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) ولذا أثر عن علماء الأمة التحرج من قول هذا حلال وهذا حرام، فابن وهب قال: سمعت مالكًا يقول:(لم يكن من أمر الناس، ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركت أحدًا اقتدى به يقول في شيء هذا حلال، وهذا حرام، وما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون نكره هذا، ونرى هذا حسنًا، فينبغي هذا.. ولا نرى هذا)، وقال بعض السلف فيما نقله عنهم ابن القيم: (ليتق الله أحدكم أن يقول: أحل الله كذا وحرم كذا فيقول الله: كذبت لم أحل كذا، ولم أحرم كذا، فلا ينبغي أن يقول لما لا يعلم ورود الوحي المبين بتحليله وتحريمه، أحله الله وحرمه الله لمجرد التقليد أو بالتأويل)، وهذه قضية هي اليوم في عصرنا موضع زلل ألسنة وآراء، فكل من تصور شيئًا يحتمل استعماله أو اتخاذه أو فعله أو قوله ولو بنسبة ضئيلة – لا يكون لها اعتبار تقود الى مفسدة قال: أحرمه سدًا للذريعة، والذريعة في اللغة الوسيلة إلى الشيء، سواء أكان هذا الشيء مفسدة أو مصلحة قولًا أو فعلًا، فالوسائل متنوعة متعددة منها ما يفضي الى المفسدة يقينًا، ومنها ما قد يفضي إليها غالبًا، ومنها ما قد لا يؤدي إليها إلا نادرًا أو لا تؤدي إليها أبدًا، ومنها ما قد يفضي الى مصلحة يقينًا أو غالبًا، وقد نجد من الوسائل ما لا يقود الى هذه أو تلك، لهذا فالذرائع تفتح إذا قادت الى المصالح، وتسد إذا قادت الى المفاسد، ومعنى سدها ألا يعمل بها حتى لا تفضي أن يعمل بما هو فاسد ممنوع أو محظور، والعمل بها بني على أدلة شرعية صحيحة كقول الله عز وجل:(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم)، فمنع الله من سب آلهة المشركين حتى لا يؤدي ذلك إلى سب الله عز وجل، فسدَّ بهذا المنع مفسدة عظيمة ودرأها عن الله عز وجل، ومنها نهي الرسول صلى الله عليه وسلم، عن أن يشتم الرجل والديه، فقالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال:نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه)، ولإعمال سد الذرائع لا بد من توفر ضوابط إن لم تتوفر فلا يمكن سد الذريعة ابدًا، بل فتحها حيئنذ أوجب، وأول هذه الضوابط أن تقود الوسيلة او الذريعة وهي فعل في الاصل مباح ومأذون فيه الى مفسدة، أما إذا قاد الى مصلحة راجحة أو غالبة فلا منع، والضابط الثاني: أن تكون المفسدة التي تقود إليها الوسيلة مفسدة يقينية أي تقع يقينًا، أو مفسدة راجحة أي غالبة، وهذا أمر يدركه الناس بسهولة يذهب انسان مثلًا لمواقع الشبهات ويجالس أهلها كأماكن شرب الخمر او القمار مثلًا سيقوده هذا حتمًا إن استمر على ذلك واستمرأه إلى الوقوع في المحرم، فيحرم عليه الذهاب الى مثلها، اما مجرد الاحتمال فلا يمنع الانسان من فعل مباح، ثم ان كل عمل يحاسب عليه صاحبه بعد أن يتم لا قبله فإذا وجد فيه شيء من الاساءة منع واعلن للناس ما وقع منه من اساءة اما مجرد الاحتمال فليس دليلًا قائمًا على التحريم، وسد الذرائع إذا توسع في العمل بها دون ضوابط فحتما ستؤدي الى حرج شديد في حياة المسلمين جاءت الشريعة بمنعه بقوله عز وجل:(وما جعل عليكم في الدين من حرج) وبقوله عز وجل:(يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، واذا منعنا كل شيء لمجرد أن بعضًا منا تصور أنه يقود الى مفسدة احتمالًا، لم يبق للناس من الذرائع ما يفتح وسدت الطرق للاستمتاع بالمباحات، ونحن نتأخر كثيرًا أن نجد حكمًا لما استجد في حياتنا فنتركه حتى ينتشر ويصبح معتادًا في حياة الناس ثم نصطرع على حكمه، فالتمثيل أصبح في حياة الناس حقيقة واليوم يبحث بعضنا عن حكم لتحريمه، فهذا يراه كذبًا وزورًا لأن الممثل يتقمص شخصية غير شخصيته فيحكم لهذا بحرمته وذلك يرى أن القصة والرواية من هذا الباب كذب وزور لأنه خيال والخيال كذب، و هكذا يقول ويحرم كتابتها لهذا السبب، وصور ذلك كثيرة.. أرانا الله الحق حقًا ورزقنا اتباعه، وأرانا الباطل باطلًا ورزقنا اجتنابه.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: