الغرب لن يزيل الظلم عن السوريين

القول بأن النظام السوري يقود الجانب العربي الممانع، ويعين الحركات المناوئة لدولة صهيون في فلسطين، يقصد به تبرير استمرار النظام القمعي في الحياة

عندما بدأت الثورة السورية عبر المظاهرات السلمية، ولم يستطع النظام السوري القمعي، الذي نتفق جميعاً أنه أعظم النظم المستبدة اضطهاداً لشعبه، إيقافها، والقول بأنه يقود الجانب العربي الممانع، والمعين للحركات المناوئة لدولة صهيون في فلسطين، هو قول في الحقيقة لم يُقصد به سوى تبرير استمرار النظام القمعي في الحياة، ليُمارس أبشع أنواع القمع ضد أحرار شعبه، وممانعته المزعومة لم تصنع -لا للعرب ولا للمسلمين- شيئاً، فقد قبع داخل حدوده أزماناً طويلة لم يُحرِّك ساكناً ضد الصهيونية، ولم تفلح الجماعات التي أمدّها بالسلاح في التأثير في دولة العدو الصهيوني، إلا أنها أعطته الفرصة لمهاجمة دولة ضعيفة بسبب تنوّع طوائفها، وفتك بها خلاف أوجده هذا النظام الفاشي، الذي جثم على صدر السوريين أكثر من أربعين عاماً، فلبنان ضحيته، والاختلاف بين أبنائه من صنعه، وجعل حزب فيه مسلحاً بفعله، وها هي منذ سنوات تعاني لبنان من هذا التدخل الأسدي الذي غايته أن تكون لبنان تابعة له، يفرض عليها سياسات لا تُلائم شعبها، وجاء إلى سوريا جماعات إرهابية من أنحاء مُتعدِّدة لتُشوّه صورة الثورة السورية، وتحوّلها من ثورة لطلب الحرية إلى ثورة لا هدف لها سوى القتل، وأعطت هذا الفاشي مبرراً ليُطالب العالم بإنهاء -كما يزعم- العدوان عليه، وهو يعلم أنه لا يقول الحقيقة، فهذه الجماعات الإرهابية تُقدِّم له ما هو في أمس الحاجة إليه، حيث تعينه على اضطهاد الشعب السوري، فهي تضرب الثوار الحقيقيين وتقاتلهم، بل وتشيع الرعب في ما بقي من الشعب داخل الحدود، ويكمل النظام المهمة عبر البراميل المتفجرة التي تُلقَى على السوريين صباح مساءً، ومن أصدقاء سوريا من هو مُؤيِّد لما يحدث، ومنهم مَن همّه الشعب السوري الذي شتتته الحرب القذرة، فأصبح مكرهاً على العيش في منافي بلاد العرب وغيرهم، ومن بقي منها داخل حدود سوريا يذوق الألم اليومي، الذي لا يعلمون به متى يغادرون الحياة إلى الآخرة بالقذائف والرصاص المنهمر؛ الذي لا ينجلي إلا عن قتلى وجرحى من رجالٍ ونساءٍ وأطفال، ولا يهمّهم من أين أتى هذا، من قوات جيش سوري لم يعد سوى ميلشيا للحاكم يُوجهه كما يشاء لقتل الناس في أرض سوريا كلها، وبين جماعات تحترف القتل كجماعة داعش والنصرة، وتُؤيّدها جماعة الإخوان المسلمين، والولايات المتحدة ومعها الغرب كله يدّعى أنه نصير للحرية، وأنه يسعى لتحرير الشعوب، ومنحها ديمقراطية تحافظ على هذه الحريات، وهو زعم لم يتحقق قط، فليست التصريحات وحدها تصنع ذلك، فقد ادّعى الغرب أنه جاء للعراق من أجل ذلك، ثم قرر تركه في مهب الريح تفتك به الطائفية القذرة، والمليشيات التي تفتك بالشعب، وجماعات إرهابية وظيفتها إيقاد الحروب أينما توجّهت، وها هو العراق وضعه لا يسر أهله، ولا أحبابه من أبناء الوطن العربي الكبير، ثروته تتبدَّد وكراسي الحكم نهباً للمتطرفين من طوائفه، وها هي أفغانستان لحقت بالعراق، وها هي دولة لم يعد لها كيان، ويفتك بشعبها الموت الذي يجدونه ينتظرهم في كل مكان.. على الطرق، وفي البيوت، وفي مؤسسات الدولة، بل وفي الحقول والأسواق، وفي المدارس، وكل هذا ما أهداه الغرب للشعب الأفغاني بعد سنواتٍ عجاف من احتلاله لأرضه، والغريب أن هذه الجماعات التي تدعى الإسلامية تشارك في ذلك بفاعلية، وهي دوماً حاضرة في أي موضع يثور فيه حرب، هكذا الأمر في دول الربيع العربي، الذي هو في الأصل ثورات عربية ضد الاستبداد، ولكنه بفعل الغرب تحوّل في بعضها إلى فوضى، فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية والغرب كله أن يلي الحكم بعد سقوط الحكومات القائمة من يرون أنه يُحقِّق مصالحهم، حتى لو كان في الماضي يعتبرونه عدواً لهم ويصفونه بالإرهابي، فتولى الحكم فيها هواة لم يستطيعوا تحقيق التغيير المطلوب، بل حملوا معهم خلافات شاذة، لا تزال كل دول الربيع العربي تعاني من آثارها في مصر وتونس وليبيا، وسبقهم اليمن، وكل ما دعت إليه ثورات الربيع العربي لم يتحقق أبداً، والغرب اليوم يتلاعب بمواقفه، يظهر المواقف المؤيدة لبعض من ولّوا الحكم، لا لشيء سوى أن يثيروا عليهم من يخالفونهم، ويدعون أنهم يسعون لتوفير الحريات لمن يعارضون الحكم القائم، والحقيقة أنهم لا يريدون أن تستقر الأوضاع في هذه الدول، فكلما ضعفت هذه الدولة أصبحت سهلة الانقياد لتكون تابعة للغرب تُحقّق له مصالحه، ولا يصدق الغرب في الشرق العربي سوى الأغبياء، ومن يدعون الذكاء منهم يظنون أنهم قادرون على توجيه الغرب ليُحقِّق لهم مصالحهم وهم واهمون ولا شك، وعلى العرب والمسلمين ألا يثقوا بالغرب، فلن تكون سياساته ومواقفه في صالح استقرار الأوطان العربية وأمنها، وتحقيق الأفضل لها، فهذا ليس من أهدافه، فهل يدرك العرب هذا؟! هو ما أرجوه، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: