محاولات بعض صحفنا المستمرة للردِّ على ادِّعاءات إيران، أو الحوثيين -في رأيي- لم تزد على قشور، فهي لم تقدِّم حقائق كافية عن مليشيات الحوثيين، ولا عن إيران الفاشلة، وحصرت نفسها في سبِّ الفريقين، وبأسلوب لا أظنُّه إلاَّ مساعد الفريقين في إثبات عداء يزعمونه من قِبلنا لهم، والحقيقة التي لا يشكُّ فيها مخلصٌ، أنَّ العداء منهم لنا، لا من دولتنا، فقد مدَّت لهم اليد عدَّة مرَّات، وكانت على استعداد أن تكون العلاقة معهم يكتنفها الإخاء لو أرادوا، ولكنَّهما ظلا حبيسي داء صنعاه، وأرادا أن يحمّلونا نتائجه، التي لا يعرفها سوانا، فنحن من اكتشفنا مؤامرات لهم، حاولوا عبرها الوصول إلى بلادنا، ليعبثوا بمقدراتها، فلما فشلوا أخذوا يبحثون في إضبارات لهم قديمة، يكنُّون بها عداء لكل المختلفين عنهم مذهبًا، وقد أجادوا هذه اللعبة منذ زمن طويل، فهم دومًا يقلِّبون كتبهم ليبحثوا عن مظالم صنعوها بأيديهم، ثم أرادوا أن يلصقوها بسائر أمَّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد حدثت في ماضي الأمَّة، ولم يرضَ بها سلف الأمة الصالحون، فقتل على إثرها سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله -عليه الصلاة والسلام- والأئمة بريئة براءة الذئب من قتل يوسف -عليه السلام-، وهم أوَّل مَن يعلمون ذلك، وكم يعلمون من الحق ويخفونه، ومن الباطل فيشيعونه، فهم دومًا يقلِّبون كتبهم ليبحثوا عن مظالم يزعمونها، وهم مَن صنعوها بأيديهم، ثمَّ أرادوا أن يلصقوها بسائر أمَّة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد حدث في ماضي الأمة أحداث لم يرضَ بها الصالحون من سلف علمائِها، وقعت فيها فتن أوجدت للكاذبين مجالاً أن يصنعوا روايات مكذوبة، يحمِّلون بها الأبرياء ذنوبًا لم يرتكبوها، لكنَّهم يجدون فيها الفرصة ملائمةً ليحمِّلوا الأمَّة كلَّها الذنب، وهم على يقين أنَّ ما يروونه تُهمًا لم تثبت بدليل واضح وجليٍّ، وأقرب الناس لفعلها هم وأمثالهم، أمَّا الأمَّة التي أحبَّت نبيَّها -صلى الله عليه وسلم- وهم الكثرة الغالبة من المسلمين، فهم مَن أحزنهم قتل الحسين، ولو كانوا في عصره، ودعاهم لحمايته لاندفعوا إلى ذلك بأسلحتهم، وأموالهم، وأرواحهم. ودومًا الخذلان لا يصيبُ إلاَّ الباحثين عن أشرِّ لحظة تمرُّ بالأمَّة؛ ليقتبسوا منها دعاوى يعلمون يقينًا أنَّها باطلة، وأنَّ الأمَّة منها براء، وإذا سعى منها نفرٌ قليلٌ لفعل جريمة نكراء قبيحة، بقتل سيِّد الشهداء الحسين بن علي -رضي الله عنهما- ومن معه من ذريَّاته، وذريَّات إخوانه، فقد كان الله لهم بالمرصاد، فلم يبقَ لهم أثرٌ بعد سنوات قليلة من الحدث، وما كان لهذا الأمر أن يكون سببًا لاختلاف يقع بين الأمَّة بسببه، خاصَّةً وأنَّه قد مضى أكثر من قرنين لم يوجد لهؤلاء مذهب في الدِّين، له أعلام معروفون، ولا قواعد يرجع إليها، فلمَّا وهن المسلمون، وضعفت دولتهم، هبَّ هؤلاء ليزرعوا الفتنة بين المسلمين في أمر لم يحضروه، ولم يشاركوا فيه، لا مع الحسين، ولا ضدَّه؛ لأنَّهم لم يولدوا بعد، ونجا المسلمون الذين جاءوا بعد ذلك من هذه الجريمة النكراء، من أن تقع تحت أبصارهم، فأنجاهم الله من آثامها، ولكن مَن لا يعقلون كلَّما رأوا للإسلام جماعة قائمة، شقَّ عليهم ذلك، فأثاروا الفتن بين المسلمين في كل عهد، فموقظ الفتن بين المسلمين، وقد أماتها الله، لا شكَّ أنَّه مهيجٌ لهم حتَّى يقتتلوا، فإن اعتصموا بحبل ربّهم، ذكَّرهم بماضٍ هو عالم بأنَّهم لم يصنعوه، وأنَّ صانعيه قد اقتُصَّ منهم، ولم يعدْ لهم وجود، وإلصاقه بمسلمي عصرنا إنَّما هو إشاعة منكر تجنّبه مَن قبلنا من أهل الإسلام، وحموا الأمَّة أن يقع بينها اقتتال بسببه، وهم اليوم يبحثون عن كلِّ وسيلة تدفعهم لما نهاهم الله عنه من الاقتتال، ولا يثيره بينهم مؤمن رسخ الإيمان في قلبه، وإنَّما هم صنَّاع الفتن، الذين يريدون لها أن تثور في كل عصر، فما أن تخمد بما يدعو إليه الصالحون، إلاَّ وينبري أهل الباطل لإثارتها من جديد، لتحصد من أرواح المؤمنين ما شاء أهل الفتن، أركسهم الله، وكفا الأمَّة شرهم، إنه سميع مجيب.