للفتوى ضوابط وآداب توفر في من يتصدى لها العلم بعلوم اللغة العربية والعلوم الدينية كلها والإلمام التام بالكتاب والسنة، بحيث إذا نظر فيها حسب القواعد المتبعة في أصول الفقه وصل إلى استنباط الحكم من أدلته التفصيلية، وهو حينئذ مطلع على أقوال العلماء قبله في المسألة، ومطلع على الإجماع إن كان ثمة إجماع حتى يأتي اجتهاده وفق ذلك كله، وإذا أفتى فإنما يفتي في ما يحتاج الناس، يبين لهم ما أباح الله لهم وما حرّم وما يجب عليهم وما يندب لهم وما يحرم عليهم وما يكره، ولكنّ الحلال والحرام باقيان حتى تقوم الساعة، ليس لأحد أن يحول فيه الحلال حرامًا، والحرام حلالًا، فما ثبت حرمته بدليل شرعي من نص من الكتاب أو السنة أو الإجماع فهو حرام لا يحله فتوى من عالم ولو بلغ رتبة الاجتهاد وكذا الحلال لا يحرمه أحد أبدًا، وكل محاولات الاجتهادات الفردية في عصرنا وغالبها من غير ذي صفة معتبرة للاجتهاد أو الفتوى، من أجل تحريم ما أحل الله أو إحلال ما حرم الله فهي محاولات فاشلة لا يعتد بها، أما المباح فما ثبت منه بالدليل فإباحته لا يغيرها أحد أبدًا، إما كانت الإباحة بمجرد عدم ورود الدليل، أو بالبناء على البراءة الأصلية، فللحاكم أن يقيدها لمصلحة الأمة إذا كان ذلك ضروريا، مثل أن يضع الحاكم شروطًا لتوزيع الأراضي البيضاء على من يستحقونها من المواطنين، أو يضع ضوابط لقيادة السيارة، وهكذا وما نراه اليوم من الجرأة على الفتوى بأن يحل المجترئ على الفتيا وهو لا يمتلك من أدواتها شيئًا، بل أن بعضهم لم يطلع أصلًا على الأحكام الشرعية وأدلتها، فيحل حرامًا ثابتة حرمته بالكتاب والسنة والإجماع كالخمر مثلًا، بدعاوى باطلة لا قيمة لها ولا صلة لها بالعلم الشرعي، وإنما يدفعه لذلك هواه، وبحثه عن الملذات، فيدفعه هذا إلى الزعم بأن الخمر لم يجزم تحريمها، وكذا الذي يزعم أن حد الزنا إما كله أو حد الرجم منه غير ثابت، وكذا من غلا حتى لم يجد في الأحكام إلا التحريم، فكل ما ظهر جديد من فعل أو قول بادر إلى تحريمه، فقيادة المرأة للسيارة حرام، وممارستها الرياضة البدنية حتى في بيتها حرام، وصلاة الفرد في بيته لا تقبل أو أنها حرام أي الفريضة، وهو لا يجد على ذلك دليلًا سوى هواه، جنبنا الله الإفراط والتفريط في الدين ووفقنا لما يحب ويرضى.