لعلّ أضر ما يضرب الأوطان، فسادٌ ينتشر في كثيرٍ من الإدارات الحكوميَّة، فيغزوها في معظم أنشطتها الإداريَّة والاقتصاديَّة، بل وحتى الاجتماعيَّة. والفاسدون الكِبَار كأثرياء الحرب، تتضخَّم أرصدتهم بالأموال، فيزداد نشاطهم الإفسادي تمددًا، ويقضي على العمل الجاد للنهوض بالدول. والفساد بألوانه المتعددة أدّى إلى سقوط كثير من الدول، حتى أصبحت في مهب الريح، لا تقوى أن تقاوم عدوًّا شرسًا استطاع القضاء عليها في القليل من الزمان، وظهر قرينه الذي يتيح له الفرصة في أن يقوم بنشاطه في شتَّى المجالات، وهذا هو الإرهاب الذي ييسر للفاسدين سبلاً لتداول الأموال المشبوهة، وغسلها لتتخم أرصدة الفاسدين، ومنهم قادة الجماعات الإرهابيَّة، الذين يزفون إلى الآخرة أعدادًا متكاثرة ممَّن جنَّدتهم للعمل الإرهابي، وساقتهم إلى جهنم وردًا، حين تفتح لهم أبوابها، ويقول لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم، فكلُّ مَن أهرق دمَ بريءٍ -مسلمًا كان أو غير مسلم- سينال الجزاء الأوفى هناك في الآخرة، التي يزيّفها لهم مجرمون فاسدون، يخدعونهم لجهلهم، ولصغر سنهم حينًا، ويزعمون لهم أن قتل الأبرياء يدخلهم الجنة، وهم حتمًا كاذبون، والغريب أنَّ من يدعون إلى ذلك من تتبُّع سيرهم، وجدهم أشد الناس حرصًا على الحياة، وأشدّهم حبًّا للمال، لا يهمه من أي طريق اكتسبه، وترى بين الفاسدين -في شتّى المجالات- وبينهم تعاملاً في النواحي الماليَّة؛ ممَّا يزيد في شرِّهم وضررهم بمجتمعات الإنسانيَّة، وهم بمجتمعات المسلمين أشدُّ ضررًا، قد أرهقوها اقتصاديًّا، وأضعفوها في مواجهة مشكلات الحياة، وسرقوا أموالها، وأنفقوها في بابين لا ثالث لهما: إراقة الدماء، وإفساد الحياة في الأوطان، وهما يتعاونان دومًا في الشر لا الخير، وكلاهما مصدر الأذى للبشر، ما لم يُضرب على أيديهم، وتجمعهم أيدٍ مباركة تسوقهم إلى السجون جماعة بعد جماعة؛ ليحاكموا ويُحكم عليهم بأشدِّ العقوبات الواردة في شرع الله؛ ليكونوا عبرة لآخرين تسوّل لهم أنفسهم اللحاق بهم في عملهم السيئ، لا تأخذ الدول بهم رأفة، ويكون القضاء عليهم قضاءً مبرمًا؛ حتَّى يختفوا من الساحات أيًّا كانوا، أو كانت مناصبهم، أو مكانات لهم بنوها بمال حرام، وخدعوا الناس بمظاهر كاذبة، فمواجهة هؤلاء يلزمها من الشدِّة ما ذكر الله في كتابه عن حدِّ المحاربين الذين يقتلون، ويسرقون، ويعتدون على الأعراض، ويخيفون الناس، فالشدَّةُ في عقوبتهم ردعٌ لهم عبر الزمن، فهل يتحقق ذلك؟ هو ما أرجو.. والله ولي التوفيق.
Check Also
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …