في مجتمعنا مَن يتصدَّر لنقد الأفراد والجماعات والأوضاع، حتَّى وإن كان نقده مجحفًا، وغير موضوعي، ينتقد كل حين، ولا يرضى أن يُنتقد، فنقده في نظره ممنوع، ونقده للآخرين حقٌّ مقدَّسٌ، وكمثال لهذا، فن التمثيل، ولن أقول الدراما، فنحن في مجتمع يفتقد هذا اللون من الإبداع، وجلّ مَن يدَّعون إتقانه إنَّما هم هواة، في كثير من الأحيان أداؤهم سيئ، بل ويستثير الضحك، فليس لدينا -كما في مجتمعات أخرى- معاهد يتعلَّم فيها الراغبون لاحتراف التمثيل، وسائر الفنون، من مسرح، أو غناء، أو سواهما، وليس لدينا -مثلاً- بؤر فنية يلجأ إليها عشَّاق الاحتراف ليتعلَّموا ممَّن سبقوهم إلى هذا المجال، نعم برز أفراد في هذا المجال، ولكنَّ أداءَهم لم يكتمل بعد، والغريب أن هؤلاء يعطون أنفسهم الحقّ في نقد الجميع، ولكنَّهم إذا انتُقدوا شنُّوا على كلِّ منتقد لهم حملة هجاء، واتَّهموه بشتَّى التُّهم، والحقيقة التي لا مِراء فيها أنَّ النقد حقٌّ للجميع إذا كان موضوعيًّا ونزيهًا، لا يمسُّ شخص المُنتَقَد، والناس لا ينتقدون في الغالب إلاَّ أداء الفنانين، ولا يعنيهم شخصيَّاتهم، فما الذي يجعلهم يشتدُّون في مواجهة هذا النقد، لا بنقد، ولكن اتّهام المنتقد بتُهم ليست فيه، وقد تحرض على إيذائه، إنَّما هي في الحقيقة صرف نظر عمَّا يعرض على الناس من فن هابط، لا يُراد به شيء سوى مزيد لون من الفن السيئ الذي إن لم يوحِ إلى عامَّة الناس إلاَّ كل خلق سيئ، فلا أقل من أن يسيء إلى سمعتهم، وسمعة بلادهم، وهكذا سنجد نقدًا لا يوجَّه إلاَّ إلى كل قيمة من قيم الأخلاق والدين، واتِّهامها أنَّها السبب في الإرهاب مثلاً، وما هذا إلاَّ افتراء على الدِّين، لا يمكن إثباته ببيّنة أبدًا، والتشدُّد والغلو له ضوابطه، وليست كل دعوة للدِّين، أو امتثال لأمره، واجتناب لنهيه يقود كما يزعم البعض إلى تشدّد، أو غلو، ولأنَّنا وللأسف في مجتمع لا يعني بالتخصص والمتخصصين، حتَّى في مجال الفن المدعو إليه بكل لسان اليوم، فإن العامَّة أصبحوا يتحدَّثون في أمر الدِّين بالرأي، وكأنَّهم هم العلماء الذين يرجع إليهم في أعقد مسائل الدِّين، معتقَدًا وشريعةً، والعامَّة الذين نعنيهم إنَّما هم الجاهلون بعلوم الدِّين، لا غيرهم، فعامّة المسلمين في هذا الوطن يفرِّقون -ولاشك- بين ما هو غلو، وتشدُّد، وما هو حكم للدِّين أصيل، ودومًا الزيف يكتشف سريعًا، والحقيقة تظهر، وإن حاول أصحاب المصلحة أن يخفوها، ولكنَّهم لن يستطيعوا طمسها أبدًا، فهي الباقية أبدًا، يعرف ذلك كل ذي عقلٍ وعلم.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …