المباح من التشبه بالغرب

لنكف عن لعن وشتم الغرب فقط, ولنبحث عما يفيدنا من أحواله فننقلها إلى مجتمعاتنا لنحقق تقدمًا حقيقيًا لا مجرد تنظير فقط

من الحقائق الثابتة نصًا وفقهًا أن التشبه بأصحاب الديانات الأخرى محظور إذا كان مما هو من دينهم أو له صلة بها, أما ما يأخذه الناس عن بعضهم بعضًا في أساليب العيش أي الحياة على الأرض, وما يقلد بعضهم بعضًا فليس بمحظور فإن تلبس من ملابس أهل الأديان الأخرى وليست في شعائر دينهم, أو تستعمل من أدواتهم شيئًا فليس له علاقة بالمحظور من التشبه, وكلما أضطررت لزيارة إحدى الدول الغربية لعلاج أو ما شابه ذلك شعرت بغصة, وأنا أرى ما هم عليه من تقدم مادي بل وبعض المعنوي, وما هو ناتج ثقافتهم كأسلوب للحياة, فإن تحل في مدينة لا تشكو من فقدان البنية الأساسية, وما يترتب على ذلك من مشكلات كبرى تعاني منها المدن في الشرق العربي والإسلامي, وأن ترى نظافة هذه المدن حتى لا ترى في شوارعها أي لون من هذه القاذورات التي تملأ شوارع مدن الشرق المتخلف, فقد أصبحنا ملزمين بذكر هذا ففي الشرق اليوم من سار على ذات النهج فلحق بالقوم في كثير مما هو لهم تميزًا, وتنظر لتوفر وسائل المواصلات لجميع السكان في القرى والمدن وبأجور تتناسب مع دخولهم, ومواعيد منضبطة يستطيع من خلالها الراكب أن يلحق بمواعيد عمله ونزهته دون أي ازعاج, وتلمس الاحترام التام للقوانين والأنظمة من الجميع, حتى الأطفال تراهم لالتزام أهلهم ملتزمين, يقلدون الكبار فيما يفعلون من انضباط تام, لا ترى هذا التفاوت الكبير في الأسعار بين محل وآخر, ومدينة وأخرى كما هو الحال في شرقنا السعيد, بل تجد السلعة الواحدة بالسعر الواحد عند الجميع, ودخول الناس مرتفعة, وأثمان سلعهم تتوازى مع دخولهم, وهذا لا يعني أن ليس لديهم فقراء, فهؤلاء وجودهم في شتى أرجاء الدنيا ملحوظ, ولعل لشراسة الرأسمالية في الغرب دور في تزايد أعدادهم في بعض بلدان الغرب, ولن تجد في مدن الغرب من يستوقفك يسألك عن بطاقة هويتك, ولا يسألك هل أنت مواطن أو وافد, وكما يحمي القانون المواطن هو أيضًا يحميك, قد يكون الغرب قد حباه الله بطبيعة ساحرة, أراضي خصبة, وأنهارًا تنساب في أراضيه, وغابات تعم جباله وسهوله, إلا أن المحافظة على كل ذلك ظاهرة فيه ولذلك قوانين تحميه, في مداخل المدن وخارجها ترتفع مداخن المصانع, وأقل دول الغرب تقدمًا لدول أوروبا الشرقية الملتحقة بدول الاتحاد الأوروبي مؤخرًا تسعى حثيثًا لتكون جزءًا من هذا الكيان الاقتصادي الكبير, لها صناعتها وقوانينها, وهي تحسن من أحوالها بعد تخلصها من حكم شيوعي استمر طويلًا, وقد كنت في إحداها مؤخرًا, حيث أقمت في مصحة للعلاج الطبيعي فيها شهرًا كاملًا, وهي دولة سلوفاكيا, والتي كانت مع التشيك دولة واحدة في ظل الحكم الشيوعي, وأراها اليوم تتجه إلى أن تكون دولة أوروبية حديثة وديمقراطية, وتسعى حثيثا لتلحق بركب دول الغرب الأوروبي تقدمًا, وتلمس في الشعوب الأوروبية رقيًا في السلوك للأفراد والجماعات لا يمكن غض البصر عنه, والناس في تلك الدول سواسية فعلًا لا قولًا في الحقوق والواجبات, وهم دومًا يصرون على ذلك, وحتمًا مجتمع كهذا تقل فيه المظالم والفساد الإداري والمالي وإن حدث اكتشف سريعًا ونال المفسدون العقاب الرادع, ولا يعني هذا أبدًا عدم وجود ألوان من الفساد في الغرب, فشياطين الإنس في كل زمان ومكان يحرصون على ذلك, ولكن الذي ينجو غالبًا من العقوبة في شرقنا هو الغالب, أما هناك فقلَّ أن ينجو فاسد بفعلته, وأظل كلما زرت تلك الديار ألحظ أن الحياة فيها مريحة, والحياة في شرقنا صعبة شقية ولا أشك لحظة ألا أثر لأديان أهل تلك الديار في ذلك, كما لا أثر لخير الأديان وخاتمها في شرقنا في صعوبة الحياة أو شقائها, بل لعل الابتعاد عن قيم الدين في شرقنا الأثر الكبير في شقائها, وهذا يذكرنا بمقولة أحد المفكرين المسلمين عندما زار الغرب فقال (رأيت هنا إسلامًا ولم أرَ مسلمين, ورأيت هناك في الشرق مسلمين ولم أرَ إسلامًا) فليست قضية الإسلام أن تكون مسلمًا بالاسم فقط, ولكنك تخالف أحكام الإسلام ومقاصده فعلًا, ولو أن المسلمين حقا قد فهموا دينهم حق الفهم ورضوا الالتزام به لنافسوا الغرب في كل ما يعجبنا فيه من تقدم مادي وآخر معنوي في جوانب التنظيم والإدارة ولاستطاعوا ان يدرأوا خطر الغرب عنهم في جوانب أخرى, ولكنهم فقط يلعنون الغرب ولا يستفيدون من محاسنه بل لعلهم لا ينقلون عنه في عصرنا هذا المعاش اليوم إلا بالتوافه, أو ما يراها كل عاقل في الغرب أو الشرق من معايبه, فقد رأيت الغربيين يشربون الخمر باعتدال ويخشون آثاره ورأيت إخواننا المسلمين يقلدونهم في شربه ولكنهم لا يقلدونهم في اعتدالهم فيسرفون في شربه حتى يصاب كثير منهم بتليف الكبد, وانظر حولك فترى ما نقله شبابنا عن الغرب من غناء ورقصات وما شابه ذلك, ولن تجد واحدًا منهم يقلد الجادين من شباب الغرب, فلنكف عن لعن وشتم الغرب فقط ولنبحث عما يفيدنا من احواله فننقلها إلى مجتمعاتنا لنحقق فعلًا تقدمًا حقيقيًا لا مجرد تنظير فقط, فهل نفعل هو ما أرجو والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: