الاعتراض عند البعض لايزال قائمًا لأنه لا يعود في الحقيقة إلى خشية مخالفة أحكام شرعية بل يعود إلى عادات وتقاليد بالية
كل من كان في سني يتذكر ذاك الاختلاف الذي نشأ حينما ارتأت الدولة أن تفتح مدارس للبنات في الثمانينيات الهجرية، ولو مالت الدولة للرأي الذي كان لا يرى أن تعلم الفتيات وأن يبقين حبيسات البيوت، لما تمتعت المرأة السعودية بما تتمتع به الآن من هذا المستوى الراقي من التعليم، والذي هيأها أن تشارك في كثير من حقول العمل العام، ولما وجدنا المفكرات والعالمات والأديبات بين نساء هذه البلاد، ولما وجدنا المتفوقات في مختلف المجالات، وأتذكر أن كاتبًا صحفيًا كتب حينذاك أن يقول للمعترضين: كفوا عن هذا فالتطور في هذه البلاد هدف للحكومة والشعب، ولن يجدي الوقوف في وجهه، فسيتحقق منه ماهو ضروري لنهضة الوطن، وقد تحقق ما أشار إليه، وهاهن نساء بلدنا وبناتنا قد ارتقين في سلم المعرفة والخبرة، وأصبحن ينافسن الرجال في مجالات كثيرة، ولكن ثقافة لا تزال موجودة لا ترى للنساء عملًا إلا الخدمة في البيوت، أن تكون أمًا وزوجة وربة بيت تخدم الزوج والأولاد، وترى في عملها خارجه أمرًا لا يجب ان يكون، ولكنها اليوم تضعف يوما بعد يوم، والفئة المؤمنة بها كادت اليوم أن تنقرض إلا من مماحكات تظهر بين الحين والآخر تذكرنا ببقايا هذا النمط من البشر، الذي ما أن تذكر المرأة إلا ورأيت حماسه يتجدد في الهجوم عليها، ومحاولة منعها أن تستمتع بما وصلت اليه من حقوق، هي في الأصل مشروعة لها شرعا ونظاما ويؤيد ذلك العقل الحصيف، واليوم يتجدد الجدال العقيم حينما صدر الأمر الكريم بتعيين ثلاثين امرأة عضوات في مجلس الشورى، وعلى الطريقة ذاتها بدأ جدال عقيم كالذي حدث عند إنشاء مدارس البنات، فالمعلوم بداهة ألا نص يحرم أن تتعلم الفتاة كما لا نص يحرم أن تكون عضوًا في مجلس الشورى يبذل نصحه لولي الأمر ويبدي رأيه فيما يحال إلى المجلس من نظم، خاصة وقد تعددت تخصصات المرأة السعودية ونافست الرجل في جل الاختصاصات، وفي الجامعات منهن عدد ليس باليسير من أعضاء هيئات التدريس المتفوقات، وإهدار كل هذه الكفاءات والقدرات إضرار ولاشك بالوطن وأهله، فدخول النساء إلى مجلس الشورى في حقيقة الأمر ضرورة شرعية ووطنية، فالنظم التي تعرض على المجلس تحتاج إلى متخصصين في علوم شتى، والنساء في هذه التخصصات قد تفوقن، ولابد من الاستفادة من علمهن في هذا المجال، وما يعرض على المجلس من نظم وشؤون كثير منه يخص النساء ولابدو وأن يبدين رأيهن صريحًا فيه، ولن يدرك الرجال حاجاتهن كما تستدركن، والتجربة أثبتت تفوق كثير من النساء فيما عجز عن إدراكه الرجال، ورغم أن دخول المرأة إلى المجلس قد أحيط بضوابط شرعية تمنع ما يدعي المتخوفون من حدوثه إذا دخلت النساء إليه، فإن الاعتراض عند البعض لايزال قائما لأنه لا يعود في الحقيقة إلى خشية مخالفة أحكام شرعية، وانما يعود بصفة إساسية إلى عادات وتقاليد بالية لم يعد الناس اليوم يلتفتون إليها بعد اكتشافهم حتى العامة منهم ألا صلة لها بالدين، والحسبة التي يدعيها البعض في كل أمر يخص النساء إنما هي اعتراض على وجود المرأة في كل مجالات العمل، وكثير من هؤلاء المدعين الحسبة ينقصهم العلم بما يحتسب فيه وما لا يحتسب، وما يجب ان يتوفر في الآمر بمعروف الناهي عن منكر من الصفات، لأننا اليوم نعيش زمانًا أصبحت الدعوة والحسبة والوعظ حرفة من لا حرفة له، ولو تتبعت أفرادًا من هؤلاء الذين يدعون أنهم محتسبون متطوعون، لوجدتهم عاطلين عن عمل، لأنهم يستنكفون عن كثير من الأعمال، التي لو اشتغلوا بها لأشغلتهم عن حسبة علّهم يأثمون بها ولا يؤجرون عليها، لما فيها من تخطي ما هو حق لهم لإضرار بحقوق غيرهم، ولاعتراضهم على نظم لم تصدر حتى عرضت على العلماء وأيدوا ما جاء فيها، ونحن بحمدالله في بلاد يقوم بالاحتساب فيها علماء قادرون على القيام بالمهمة على أكمل وجه، وجهاز حسبة مضى عليه في الخدمة عشرات السنين وهيئ له من الأسباب ما جعله يقوم بمهمته بجدية تامة، وأن يتطوع للحسبة بعد هذا أشخاص لم يتأهلوا لها ولم يؤذن لهم فيها، إنما هو لون من إثارة فوضى في المجتمع، حيث يندب الإنسان نفسه ليقوم بمهمة هو لا يملك من المعرفة القدر الكافي ليقوم بها، فيؤول أمره أن ينكر معروفًا ويأمر بمنكر، وقد يؤدي فعله إلى فتن تشيع في المجتمع اضطرابا شديدًا، وقد رأينا شيئا من هذا حدث حينما تحرك البعض لمنع إنشاء مدارس البنات بالقوة، وحتى لا يتكرر شيء من هذا فيجب الانتباه لذلك وهو ما نرجو والله ولي التوفيق.