القول إن كلّ ما يصدر عن الأمم المتحدة هو مؤامرة تستهدفنا كمسلمين؛ لكي نغيّر من أنماط حياتنا المرتكزة على ديننا أو ثقافتنا الخاصة، هو وهمٌ في الحقيقة..
للأمم المتحدة برامج تتعلق بالمرأة فيما عُرفت بوثائق «سيداو»، وهي مجموعة دولية تطرح الموضوعات المتعلقة بالنساء، وكل ما يعانين فيها من مشكلات إنسانية، وتصدر وثائق متفق عليها بين الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، وقد صدرت عدة وثائق في هذا السياق منها: وثيقة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وموضوع هذا العام في سلسلة إقرار هذه الوثائق الخاصة بالمرأة وثيقة تتحدث عن القضاء على أشكال العنف ضد المرأة، وتعلن حقوقًا للنساء في هذا المجال، والدول كافة توقع على هذه الاتفاقات، وإذا كان لها تحفظ على بعض موادها تسجله ويثبت في السجلات، ويعمم على كل الدول الموقعة على الوثيقة، وكل الوثائق التي تصدر عن الأمم المتحدة كذلك، ولا تجبر الدول على التوقيع، ولعلنا نذكر أن بعض الدول توقع على هذه الاتفاقات، ولا تلتزم بما جاء فيها، ولعل كثيرًا من دول العالم الثالث على هذا السلوك، ولم تستطع أن تجبرها هيئة الأمم المتحدة على تطبيق حتى الاتفاقيات المهمة كوثيقة حقوق الإنسان، فإن يتطوع من مواطني هذه الدول مَن يهاجم كل وثيقة تصدر عن الأمم المتحدة حتى قبل صدورها، كهذه الوثيقة الأخيرة التي صدرت يوم السبت 4/5/1434هـ، وقد سبقت جماعات تدّعي أنها إسلامية مهاجمتها ونسبت إليها أن كثيرًا من موادها تخالف أحكام الإسلام، وهم لم يطّلعوا عليها بعد، وهي لا تزال في دور الصياغة والتنقيح، والمعلوم بداهة أن الدول لا توقع على وثيقة إلاّ بعد دراستها والتحفظ على بعض ما جاء فيها، إذا كان يخالف أحكامًا دينية أو ثقافة لها خاصة، أو عادات وتقاليد تحافظ عليها، والقول إن كل ما يصدر عن الأمم المتحدة هو مؤامرة تستهدفنا كمسلمين لكي نغيّر من أنماط حياتنا المرتكزة على ديننا أو ثقافتنا الخاصة، هو وهم في الحقيقة، ومشاركتنا الفاعلة أثناء وضع هذه الوثائق تجعلنا قادرين من خلال ذلك أن نحسن من وضع هذه الوثائق، إن كان هناك من دول العالم مَن تريد فرض رؤيتها، وإذا لم ننجح في ذلك تحفظنا على ما نراه حقيقة أنه يصطدم بديننا أصولاً وأحكامًا، أمّا هذه الفوضى التي يروّج لها البعض بالاعتراض على وثائق الأمم المتحدة، والتي غالبها وقّعت عليها دولتنا، والتزمت بها، والاعتراض عليها بهذه الحدّة التي يفتعلها البعض اعتراض على النظام العام للمجتمع، والذي أقرته الدولة في النظام الأساسي للحكم، والذين استمعنا الى اعتراضاتهم من الجماعات الإسلامية خارج بلادنا لم نجد أحدًا يذكر منهم نص المادة التي يعترض عليها، وبيان الإخوان المسلمين الذي أصدر قبل خروج الوثيقة بأيام متعددة، لم نر فيه نصًّا من هذه الوثيقة يستعرض وينتقد، لأنه في الحقيقة لم يوجد بعد، وتلقف ذلك بعض الأفراد عندنا وأخذوا يروّجون نفس الأقوال دون انتظار لصدور الوثيقة رسميًّا، ودون معرفة لموقف الدولة منها، لمجرد أن الاخوان المسلمين هاجموها، ومن العيب أن نكون تبعًا لغيرنا في الدين، ونحن نحرم التقليد وننادي بالرجوع إلى كتاب الله وسنة سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبلادنا خرج منها هذا النور الذي اهتدى به العالم أجمع، والمرأة السعودية التي تهتدي في حقوقها بما أقر لها دينها من هذه الحقوق، لا ترضى أبدًا بما يخالف دينها، ولن تطالب به قط، فلا خوف عليها من أفكار تنحرف عن الدين، ولكن حرمانها من حقوقها أو الإساءة إليها، أو احتقارها من خلال أفكار في حقيقة الأمر لا صلة لها بالدين، وترجع إلى عادات أو تقاليد بالية، يرى بعض الجاهلين بالدين أنها منه، فليس كل ما يطالب به بعض من ترتفع أصواتهم عالية ضد المرأة يعني انه من الدين، فمنع المرأة من العمل، وقصر عملها داخل المنزل ليس له أصل في الدين، ومنعها من المعاملة بينها وبين الرجال بيعًا وشراءً وعقد العقود ليس له أصل في الدين، وتصرفاتها في ما تملك مثل الرجل لا يحده حكم شرعي ولا نظام، وكثير من هذه الأمور ثبت للمطالبين بها أنه لا أساس لهم يدعمها من الشرعية، وإن ادّعوه باطلاً والاعتراض على حملها بطاقة هوية لحملها لصورتها، أمر روّج الكثيرون لمنعه زاعمين أنه مخالفة شرعية ولم يثبت ذلك، واستمرت المرأة في الحصول على البطاقة، حتى قصة قيادة السيارة التي تفتعل حولها المعارك الكلامية، لا أصل في شرع الله لتحريمها، والأضرار المزعومة أمر لم يره الناس على أرض الواقع، بل لعلهم رأوا ضده، بل وإن كثيرًا ممّا يفتعل ضد المرأة طريقه نفس الطريق، والمرأة في هذا الوطن تحقق خطوات متلاحقة للحصول على حقوقها المشروعة، ولن تعطلها أصوات زاعقة مهما ارتفعت، ومن ينظر اليوم إلى وضعها، وقد عرف وضعها في بداية نشوء هذا الكيان الموحد لبلادنا يعلم كم حققت من القفزات في هذا الباب، أما الشذوذ فهي بإذن الله بعيدة عنه، ولن يفرض عليها بوثائق دولية أو غيرها، فهي المسلمة التي تحافظ على دينها، فليترك هؤلاء الترويج لأفكار ضدها لا معنى لها، ولن ينجحوا فيها أبدًا، فتطور الحياة أمر ضروري لن يقف في وجهه أحد إلّا ويخسر، ثبت هذا من تجارب الأمم، ونهنئ أخواتنا بيوم المرأة العالمي، ونحن على يقين أنهن يسعين إلى أن يحققن لأنفسهن ما أقره دينهن، وهو ما نرجو أن يتحقق لهن.. والله الموفق.