المساجد إنما تبنى لعبادة الله وروضات للإيمان, يصلى فيها ويعتكف المؤمنون, يذكرون الله, ويتلون القرآن, وفي ساحاتها يتلقون من علوم الدين ما يقربهم إلى الله, ولم تتخذ قط لنشر فكر سياسي معين أو فكر جماعة من المسلمين تختلف مع سائرهم, وليست المساجد موضعاً للتعصب لمذهب , وكل ما يشق صف المسلمين, ويورث بينهم العداوة والبغضاء يحرم أن يكون مصدره المسجد, أو أن يلقى في رحابه ما يحرض عليه, أو تتخذ منابره وسيلة لنشره بين المسلمين, فدور المساجد في حياة الأمة دور عظيم, كادت أن تفقده في هذا العصر, كان المسجد تنعقد فيه مجالس الخير, فيها ذكر الله له, والحث على محبته ورضاه, ومحبة سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم – ومحبة الصالحين من خلق الله – والاقتداء بكل هؤلاء, واستحضار كل خلق حسن والحث عليه ونشر علم صحيح بهذا الدين الحنيف, الذي به تنجو الأمم.
هذه الوظائف المهمة البعض يريد ألا تكون من مهام المسجد, لأنه ظن أن المسجد كما هي الحقيقة ملك له, لا يعلمها سواه, فكثرت في المساجد الخطب السياسية والتي تشير إلى جماعة محددة, وصلت في غفلة من الزمن لحكم أكبر دولة عربية (مصر), وقلنا حين وصولها أنها ستفشل في الحكم, لأنها غير مؤهلة له, ولأنها تحمل فكر اعتمد في نشره على السرية, لا الوضوح والإعلان, فخالط الحق القليل في هذا الفكر الباطل الكثير, عرفنا هذه الجماعة السرية منذ زمن طويل وهي جماعة سرية, عرّف العقلاْ خططها وأستنكروها, خاصة عندما حاولت في كل بلد استقبلها حين ادعى أفرادها أنهم مظلومون في بلادهم, فكانت المكافأة لمن استقبلوهم أن انشأوا لجماعتهم خلايا نائمة لتعمل حين وجود فرصة أو حين الغفلة كما اعتادوا, وظل نفر من خطباء المساجد يؤيدونهم, رغم علمهم بباطلهم, أو أنهم في الحقيقة يدعون أنهم حريصون على الإسلام, وهم بتصرفاتهم يعلنون بعدهم عنه , فالأفعال دوماً تكشف المنظرين, وها هم اليوم يثبتون فشلهم, وعلينا أن ننبه من يؤيدونهم في بلادنا, أنهم لن يستطيعوا أبداً أن ينشروا لهم فكراً في هذا البلد الغالي, فلا مكان للجماعات السرية في هذا الوطن, فلا ينجح فيه فكر بسر, الوضوح سيد الأفكار فيه كما هو ديننا الحنيف, فهل يدرك هؤلاء هذه الحقيقة ويكفوا عن محاولاتهم الفاشلة, هو ما نرجو والله ولي التوفيق.