تعالوا نتفق على حرب مقدسة لكلِّ مَن يشوّه سمعتنا بأفعاله القبيحة ننصحه وننهاه، فإن لم يرتدع أسلمناه للقضاء يحكم عليه بالعدل حتى لا يبقى بيننا من يقع في أعراض الناس
لا شك أن المسلم ليحكم على الناس -عرفهم، أو لم يعرفهم- يحتاج إلى معايير شرعية ليحكم عليهم حكمًا عادلاً لا يُؤاخذ عليه، ويحاسبه الله على هذا الحكم، خاصة إذا علم أن حقوق الناس لا يغفرها الله له إلاّ إذا تنازلوا له عنها، سواء أكانت حقوقًا مادية أم معنوية.
أولاً: هذه الأحكام على الأفراد ليست منوطة بالأفراد الآخرين أمثالهم، وإنما الحكم منوط بجهاز أسس لذلك وهو القضاء، فليس من حق أحد مثلاً أن يحكم على أحد معيّن بالكفر مثلاً، أو الفسق أو البدعة؛ ممّا يسيء إليه في مجتمعه، حتى وإن كان المتهم من العلماء، وإذا طالب من اتّهم بمحاسبة المتهم له قضاء ولديه البيّنة على ذلك، وجب الحكم عليه تعزيرًا، لأن التعزير في هذه الحالة واجبٌ صونًا لأعراض الناس.
ثانيًا: في الشرع لصون الأعراض باب كبير، فيه الحد لمن اتهم مسلمًا بالزنا، أو اللواط، وفيما سواهما ممّا يعيب الإنسان في مجتمعه التعزير، يقدره القاضي على مَن يقعون في أعراض الناس بما يمنعهم، ويمنع غيرهم من هذا الفعل الشنيع.
فالله عز وجل يقول: “والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا عظيمًا” فإيذاء المؤمن بالوقوع في عرضه من الكبائر، لذا شرع الله حدًّا لمن يقذف مؤمنًا أو مؤمنة بالزنا أو اللواط، فقال عز وجل: “والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون”.
وإن تسمية من يقع في عرض المسلم فاسقًا تنبيه إلى عظيم جرمه، وتحذير شديد من فعله، وإذا كان الزنا جريمة كبيرة، فأعظم منها -ولا شك- الكفر بالله، أو الشرك. فمن وقع في عرض مسلم فاتّهمه بذلك فقد أتى بهتانًا وإثمًا عظيمًا، ووجب تعزيره تعزيرًا شديدًا حتى لا يعود إلى السلوك نفسه مرة أخرى.
فالإسلام دين يحفظ للناس كليات حياتهم، أو ضروراتهم، والتي لا يغفل عنها عاقل، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض أو النسل، والمال، فهي ضرورات خمس لا تقوم الحياة إلاّ بضمانها للبشر، لهذا ففي باب التشريع في الإسلام أحكام العقوبات كلها لهذه الغاية لتحفظ للناس هذه الكليات الخمس، ولن تجد مثل هذا في كل الشرائع الإلهية السابقة، كما لن تجدها بشكل أوفى في أي تشريعات إنسانية بعد.
فصان الله عرض المسلم، بل وغيره من البشر ما دام يحيا في دولة تطبّق أحكام هذا الدين، ومنع من انحدرت أخلاقهم من الوقوع فيها بالعقوبات الأشد، ليبقى المجتمع مستقرًا، لا تنشأ فيه العداوات التي أكثرها إنما تنشأ لعدم ضبط الإنسان لسانه، ولهذا حذر سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك فقال لسيدنا معاذ -رضي الله عنه- حين قال: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال صلى الله عليه وسلم: “ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم”.
فإذا انتشر بين المسلمين ما نراه اليوم من عدم صيانة اللسان عن الوقوع في أعراض الخلق، كما أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- وشاع بينهم سب بعضهم بعضًا، والشتم بأقذر الألفاظ، ولم يتوقَّ الناس أن يتّهموا بعضهم بعضًا تهمًا تبلغ حدّ التكفير والتفسيق، فإن المجتمع حينئذٍ سينتشر فيه سوء الخلق، وسيقود هذا إلى التعادي والتباغض، حتى يبلغ حد التنافس في الانتقام من بعضهم بذات الأسلوب، فإذا هو مجتمع منحدر الأخلاق، تنظر إليه الأمم بعين الاحتقار.
والأبشع من هذا أن مَن يدّعِ العلم بالشرع يتخلَّ عن الفضائل، وينحدر إلى سوء الأخلاق، فيطلق لسانه في كل من خالفه الرأي والاجتهاد، وسمع منه الناس ما يخشى العامة من السباب والشتائم والتّهم أن ينطقوا به، وهو لا يرى في ذلك شيئًا، بل والأضر أن يدّعي أنه يفعل هذا فقط صونًا للدين ونصرة له، وهو يأتي ما اشتد نكير الدين عليه، فما هو بعالم، وإنما هو للجهل أقرب.
والأدهى من هذا أن من يلي شؤون الناس، واؤتمن على بعض أحوالهم، وهو في المنصب الرفيع، لا يحفظ لسانه عن الوقوع في أعراضهم تراه في مجالس الناس وكأنه من سفلتهم يجاريهم في القدح في عباد الله ويجد لهم من المعايب ما لم يطرأ لهم على بال. وهو في إدارته ما أن يدخل عليه أحد يسعى للحصول على ما هو حق من حقوقه إلاّ وأسمعه قارص الكلام.
سادتي: إن في مجتمعنا أخيارًا كثيرين، ولكن من ذكرت الآن من نماذج تشوّه مجتمعنا وتصدر عنا للخارج أسوأ صورة عن شعب هو في الأصل حامل الرسالة الخاتمة إلى البشرية جمعاء، فتعالوا نتفق على حرب مقدسة لكلِّ مَن يشوّه سمعتنا بأفعاله القبيحة، ننصحه وننهاه، فإن لم يرتدع أسلمناه للقضاء يحكم عليه بالعدل حتى لا يبقى بيننا من يقع في أعراض الناس ويسلم. فهل نحن فاعلون؟ هو ما نرجو والله ولي التوفيق.