منذ ان آمنا بهذا الدين الحنيف، ونحن لا ننزه أحداً عن الخطأ إلا من نزهه الله عنه من رسله عليهم السلام، وأمامهم سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فالعالم مهما بلغ قدره ومكانته فهو بشر يخطئ ويصيب، لذا يرد العلماء على بعضهم إذا أخطأ أحد منهم، ولا يعتبرون هذا النقد إساءة إليه،أو تقليلا من مكانته، ومن يتولى المنصب الديني كالافتاء، أو المسؤولية عن أماكن العبادات وعلى رأسها الحرمين الشريفين لا يكسبه منصبه قدسية، وإذا وقع منه الخطأ انتقد من قبل من هو عالم أو من هو في مثل مقامه، وأما إذا كان الخطأ في أمر دنيوي أو ديني ظاهر فصح لكل ذي علم أن ينتقد ولا يثرب عليه لأنه انتقد، ويحاسب المخطئ من قبل الدولة بحسب المتبع في الأنظمة وليس هذا حتما إساءة إلى ما هو مسؤول عنه من أماكن العبادة أو الأمور الدينية التي يشرف عليها، فنحن مسلمون لا نقدس الناس بمجرد الهوى، ونعلم أن هذا الدين الحنيف جاء بالمساواة بين الناس جميعاً اذ آمنوا به في الحقوق والواجبات، ولا يجعل أحد منهم فوق الآخرين لا لمنصب أو جاه، فصحابة سيدي رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – تولوا الإمارة وبيوت المال، ورئاسة الحرب، وكل المناصب المناسبة لعصرهم وحوسبوا في عهده – صلى الله عليه وآله وسلم – فمن عزل مالاً مما أتى به من أموال الزكاة وقال: إنه اهدى إلي، منعه من ذلك، واستوفى المال منه واغلظ له القول، وجاء بعده خلفاؤه الراشدون وولوهم المناصب وحاسبوهم على ما يفعلون حين تولوا المناصب، حتى ان سيدنا عمر قاسم بعضهم ماله، حينما رأى تضخم ثروته عما كان عليه قبل تولى المنصب، ولم ير رضي الله عنه وعنهم في ذلك بأساً، وهم خير الناس بعد سيدي رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وهم الأولى بالا يمسوا بشيء كهذا، ولكن الإسلام لم يأت بتقديس لأحد من البشر لمجرد أنه ولي أمرا دينيا أو منصباً دينياً، نعم له كامل الاحترام والتوقير، أما إن وقع منه الخطأ أو ما هو أكثر منه فهو من البشر يحاسب على خطئه كما يحاسب على خطيئته إن وقعت. والحرمان الشريفان لهما في أنفس أهل الإيمان ما ينزههما عن أن يوجه إليهما ما يحط من شأنهما ولكنهما رمزان لهذا الدين يجب أن يلي أمرهما إدارة وخطابة، وتدريساً في أروقتهما من يستحق هذا لتميزه خلقاً وديناً وعلماً، وأن يكون أفضل العلماء في وقته فهذا من تنزيههما،وتوفير الحراسة لهما أن يمسا بسوء، أما أن من يلي أمرهما وموظفو إدارتهما لا ينتقدون ولا يحاسبون على إخطائهم لا أصل له في شريعة الله ولا نص يؤيده، ولا أظن أن أحداً منهم يطالب بذلك أو يقول به، هذه هي الحقيقة ولا حقيقة سواها، حفظ الله الحرمين ، وحفظ من يقوم على شِأنهما بحق وعدل فهو ما نرجو والله ولي التوفيق.