قد يرى بعضنا إهانةً للموظَّف العام، صاحب المنصب العالي ألاَّ تُفرَدَ له في المستشفيات عنابر خاصَّة، يلقى فيها عنايةً مُثلى أثناء مرضه، وما علم أنَّ الجهاز الحكوميَّ الذي ينهضون بخدماته، إنَّما هم الموظِّفون العموميُّون، والذين بعضهم يبقى في درجته الوظيفيَّة عشرات السنين لا يُرقَّى، رغم أنَّه يقوم بعمله بجد واجتهاد، ويوم أن يتقاعد لا أحدَ يتذكره، وهو حين يبحث عن العلاج إذا مرض، قد يعزّ عليه وجوده، ولو كان مرضه أخطر الأمراض، ويمضي بقيَّة عمره لا يتذكره أحدٌ، حتَّى الذين خدمهم من مواطنيه بإخلاص، بمجرد أن يترك الإدارة التي يعمل بها، لا يعود أحد يسأل عنه، بل إنَّ فئات من المجتمع أعمالهم عظيمة كالمعلِّمين سواء أكانوا في التعليم العام، أم في التعليم الجامعي، لا يحظون في مجتمعنا برعاية وعناية، ولا يطالب أحد بها لهم، فما أن يتركوا وظائفهم حين التقاعد قلَّ أنْ تجدَ رعايةً، أو عناية تُوجَّه إليهم، ولو عدت إليه يوم تقاعده وجدت ما أعطي كمكافأة لنهاية الخدمة لا تسد ديونه، وكم منهم غادر منزلاً أعطى له أثناء عمله أستاذًا في الجامعة في السكنى، فما أن يتقاعد إلاَّ ويُطالَب بأن يرحل عنه، وكثير من المعلمين في التعليم الجامعي يعيشون في منازل مستأجرة، وقد نجد بين العسكريين أيضًا ممَّن لم يبلغ الرتب العُليا لا يختلف كثيرًا عن الموظَّف العام إلاَّ أنَّه يتعالج في مستشفيات تابعة لوزارة الدفاع، أو الجهة العسكريَّة التي ينتمي إليها حرسًا وطنيًّا أم شرطة، ورغم ما يعانيه الجميع من هؤلاء عند التقاعد، فلم نرَ أحدًا طالب برعاية لهم وعناية على الأقل في هذه المرحلة الحرجة من حياتهم، ويطالب بعناية لأصحاب الوظائف الكبيرة بأن يتميَّزوا عن أبناء شعبهم عند مراجعة المستشفيات.
إنَّ العلاج سادتي بنص النظام الأساس للحكم حقٌّ تكفله الدولة للمواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، وفيه أيضًا أنَّها توفر الرعاية الصحيَّة لكل مواطن، وهي حقوق عامَّة لا يخص بها أحدًا دون أحدٍ، ونحن في حاجة ماسَّة أن تكون الحقوق العامَّة واضحةَ المعالم للجميع، كما أنَّ واجباتهم كذلك والمواطنون تجاه الحقوق متساوون، لا يُمنح أحد منهم حقًّا، ويُحجب عن الآخرين، خاصَّةً فيما هي حقوق عامَّة، مثل حقّ المواطن في العمل، وحقّه في السكن، وحقّه في العلاج عند المرض، ولا يختلف الناس في مقدار ذلك إلاَّ بما يستحقونه لظرف طارئ من العناية والرعاية، ولعلنا مدركون لهذا تمام الإدراك، والله ولي التوفيق.