المسلم حتَّى وإنْ ارتكب معاصي يُدعى له بالغفران، وأن يتجاوز الله عزَّ وجلَّ عن ذنوبه، فالمعصية لا تطمس الإيمان، والمؤمن كسائر البشر تقع منه المعصية فيتوب عنها، ثمَّ يعود إليها، ولكنَّه دومًا يأمل في مغفرة الله له ورحمته، فالمعصية تقع منه لنقص بشري فيه، ومطالب أن يبتعد عنها ما استطاع، ولكنَّها لا تنقله من حال الإيمان إلى الكفر، ومَن عصى من المؤمنين هو الأحق بأن يُدعى له بالغفران، وأن يتوب الله عليه، وأن يعود إلى ربه ما دام حيًّا، فإذا مات وجب الكف عنه، فهو عند رب لا يظلم أحدًا، وسعت رحمته كل شيء، والمؤمن العاصي من هذا الشيء الذي تسعه رحمة الله، وإذا وقع حادث في أرض بعيدة، في مطعم أو ملهى، وفي تلك الأراضي كثير من الملاهي التي تقدِّم لروَّادها برامج فنيَّة، وقد تُشرب الخمر فيها، وفوق موائدها، هي في ذات الوقت تقدِّم لهم الطعام أيضًا، ومن الناس مَن يذهب إليها ويتناول على موائدها الطعام أيضًا، ومن الناس مَن يذهب إليها ويتناول على موائدها الطعام، ويشاهد فقراتها الفنيَّة، وقد لا يشرب خمرًا، ولا يأتي ممَّا يأتيه القوم من موبقات، وخطؤه أنَّه لم يبتعد عن مَواطن الشبهة، ولا يصحُّ الحكم عليه بأنَّ الله لا يغفر له، فتلك دعوى فيها تألٍّ على الله، لا يصحُّ أن ينطق بها مؤمن، ولكن أيضًا لا يصحُّ الدفاع عن ما فعل، هو قد أخطأ ونرجو له المغفرة، بل وهو أحق بدعائنا له بالغفران، فإن يأتي منا مَن كان يكفِّر الخلق لأتفه الأسباب، فإذا به عندما ترك هذا التكفير يذهب بعيدًا حتَّى يدَّعي أن ما يجري في تلك النوادي الليليَّة لا عيب فيه، ومحترم، فتلك فذلكة غير مقبولة، إنَّ أصحابنا كانوا يقولون: (رُبَّ معصيةٍ ورَّثت ذلاً وانكسارًا خيرٌ من طاعةٍ أورثت عزًّا واستكبارًا)، وإنَّا لنرجو الله لمن قضوا في حادث المطعم «الملهى» غفرانًا من ربنا عزَّ وجلَّ، وألاَّ يجمع عليهم ما نالهم من الألم أثناء الحدث والعقاب، وهو الرؤوف الرحيم بالعباد، فغفر الله لهم، وتجاوز عنهم، وهو ذو الفضل العظيم، ولعلَّ لهم من الحسنات ما يطمس ذنبًا إن وقع، وما أقول إلاَّ اللهمَّ اغفر لهم ولنا الذنوب، وتجاوز عن كل ما صدر عنا وعنهم ممَّا يعضبك، وكلنا أمل في الله أن يستجيب دعواتنا لنا ولهم ولسائر المسلمين، فخير العبادة الدعاء، فأكثروا منه إخواني، يرحمكم الله به، ويزيدكم منه فضلاً، فتسعدوا في الآخرة بذلك، والله ولي التوفيق.