ما رأيته في هذا الحفل ملأ قلبي بالحزن على هذا النادي العريق الذي عشنا زمنا نرتاده ونزهو به، أما اليوم فنحن فيه غرباء، وما يقدمه من أنشطة لا تمثله
منذ انتقلت إلى جدة في عام 1413هـ، وأنا أرتاد نادي جدة الثقافي والأدبي كما هو مسماه، وكما كان يمارس أنشطته المتعددة، وفيه نخبة من المفكرين العلماء والأدباء والنقاد يثرون ساحته كلما عقد في رحابه مؤتمر أو كان في قاعاته ندوة أو على منبره محاضر، وعرفنا في رحابه قممًا في تخصصاتهم من أبناء الوطن، ومن أبناء عالمنا العربي، وكانت إدارته من أنشط إداريات النوادي الأدبية، القليل من المال في يدها يثمر نشاطًا متنوعًا ومتعددًا، وهذا الكم المنتقى من الكتب التي طبعها النادي، وهذه الدوريات العديدة في النقد والشعر والرواية والترجمة جهد أساتذة فضلاء بذلوا الجهد مخلصين ليكون هذا النادي وكيانه بين النوادي الأدبية شمسًا مشرقة تنشر الضوء في أرجاء الوطن، وهؤلاء القمم الشامخة الذين تولوا إدارته منذ عهد رئيسه الأول الشاعر الرائد محمد حسن عواد، يعقبه شاعر آخر رائد هو حسن عبدالله القرشي، ثم أديب صحفي رائد هو أستاذنا الجليل عبدالفتاح أبومدين، ثم من نفس المدرسة أستاذنا عبدالمحسن فراج القحطاني فكان ارتيادنا لهذا النادي فرحًا، ومشاركتنا في أنشطته تسعدنا، ثم جاء عهد جديد لم نكن نعرف لمن تولى الإدارة فيه نشاطًا أدبيًا أو ثقافيًا منظورًا، ولكنا استقبلناهم بتأييد وقد جاءوا في الغالب من أساتذة الجامعة ومنسوبيها، ورجونا أن يكونوا دماءً جديدة تدفع بالنادي إلى إبداع جديد، ويعلم الله أني رغم ما أمر به من مرض حاولت جهدي التواصل مع النادي، وكان بعض إخوتنا في الساحة قد أصابهم الإحباط من تراجع نشاطات النادي، وغياب الأدباء وكبار المثقفين عن ساحاته، وكنت دومًا أردد أن من تولوا الإدارة فيه هذا اللون من العمل جديد عليهم فامنحوهم فرصة ليجدوا ألوانًا من الأنشطة يبدعون فيها، وحاولت قدر جهدي حضور الأنشطة التي تصلني من النادي رسائل عنها، وقد حضرت مع أستاذي الجليل عبدالفتاح أبومدين رغم كبر سننا وما نعانيه من أمراض، العديد من اللقاءات التي لا أخرج منها إلا بمزيد إحباط شعر به إخواني قبلي، وقد كتبت من قبل عن لقاء ملأ النفس إحباطًا رغم أن موضوعه لغتنا العربية التي نعشقها وحضرت لقاءات نناقش فيها شؤون النادي، ورأيت كل ما يطرح فيها لا صدى له في إدارته، ولا يزال العهد بها كما كانت أول مرة فبين يدي جدول أعمال الجمعية العمومية المنعقد في 5/4/1435 وهو صورة لما كان في العام المنصرم، ومعه رؤس أقلام عن الميزانية المقترحة، وأبحث عن الجديد فلا أجد شيئًا، إلا إن كان استحضار تلاميذ من المدارس ليعلمهم من ليس كفؤًا لتعليمهم الكتابة أو الخطابة أو تشجيع أصحاب مواهب ممن لا موهبة له، وهو لون من النشاط يفضله المعلمون القادمون من الجامعات في كل نوادينا الأدبية، وإلا أن تكون المرأة عضوًا في النادي وهو قرارسابق لهذه الإدارة، فحضور السيدات أنشطة النادي له زمن ليس بالقصير، والنوادي الأدبية لا يقتلها إلأ أن تدار على أنها أجهزة حكومية يأتي إليها الموظفون ليتسلموا مرتبات تساند دخولهم من وظائفهم الأخرى فقط، فيكون الحضور إليها روتينيًا ملتزمًا بساعات دوام يغادر مبناها الموظف بعده، وأن يمنح إجازة في الوقت الذي من المفترض فيه أن تزداد أنشطة الأندية أثناء الإجازات العامة في الصيف وليست الأنشطة الثقافية تعنى مناسبات تفتعل كإنشاء جوائز لا موارد لها إلا التبرعات، أو كهذا النشاط الذي تم مساء يوم الخميس 29/3/1435هـ بمضي أربعين عامًا على إنشاء النادي، وعادة المؤسسات تحتفل بعيدها الفضي إذا بلغ عمرها خمسة وعشرين عاما، وبعيدها الذهبي إذا بلغ عمرها خمسين عامًا، وقد تعنى بعضها بمضي مائة عام وتسميها مئوية، وليس من الضرورة أن تجمع تبرعات لذلك أو يكون لهذا الحفل رعاة، وليت أن من بيده الأمر يخصص للثقافة من المال ما يقوم بشأنها حتى لا يتسول المشرفون على أنشطتها ما يقيمون به مثل هذه الاحتفالات، والغريب أن قدر هذا النادي الذي علمناه من قبل يقتضي ممن يريد الاحتفاء به أن يعد للمناسبة إعدادًا جيدًا يلمس الحاضرون الإبداع فيه، لا أن يظهر بما ظهر به الحفل الأربعيني وكأنه مناسبة عزاء فلا شيء فيه يلفت النظر، ويحشد له من الحضور من ليس لهم علاقة بالأدب أو الفكر أو الثقافة وتمنح الصفوف الأولى لهم، فيعود أدراجه أمثالنا حيث لا يجد له مكانًا بين هؤلاء، وحينما أعادني أحدهم جلست في موضع كان على يساري موظفان مشغولان بالهواتف مدة الحفل، وخلفي صف منشغل بالحديث عن كل شيء سوى الثقافة، وضحكاتهم تملأ سمعي، أقول لكم ما رأيته في هذا الحفل ملأ قلبي بالحزن على هذا النادي العريق الذي عشنا زمانًا نرتاده ونزهو به، أما اليوم فنحن فيه غرباء وما يقدمه من أنشطة لا تمثله، فهل يدرك من يقوم على إدارته؟، ذلك هو ما أرجو والله ولي التوفيق.