في الخبر المنشور في جريدة الوطن يوم السبت 15/1/1433هـ حول ما يعانيه نادي مكة الأدبي الثقافي من خلافات حتى كادت أن توقف نشاطاته، أو هي أوقفته فعلاً، ينبئ عما ستتعرض له النوادي الأدبية في مرحلتها الجديدة، فالتخطيط للسيطرة على إدارات الأندية عبر حشد مجموعة تظن أنها متجانسة لأنها تنتمي لتيار واحد، متناسية أن تيارها أشد التيارات تصارعاً بين أجنحته في الداخل، يدل على ذلك هذه المسميات التي تتوالد، وتنسب فيها الجماعة إلى الفرد، ودعوا تلاميذهم للتسجيل في الجمعيات العمومية للنوادي الأدبية،
وهو ما عنى أن ليس للنوادي من قبل جمعيات عمومية أو أعضاء منتسبون إليه سوى أعضاء مجالس إدارتها، ودعوى أنه جرت فيها من قبل انتخابات إنما هي أمر مشكوك فيه، فقد سيطرت من قبل على جل النوادي الأدبية شللٌ كانت لا ترضى أن يقترب من النادي أحد ليس من أعضائها، لفوائد تعود عليهم من طبع كتبهم، والتمتع ببعض الميزات التي بررت لهم البقاء فيها عقودًا دون أن يكون لها فاعلية تذكر في نشر الثقافة أو الترويج لأدب راقٍ، وكاد بعضها أن يكون أرشيفاً لما طبعه من كتب ورسائل جلها تافه، ومستودعاً لا يدخله أحد، ولا أحد يشتري من بضاعته شيئاً، وقبل أن تجرى الانتخابات كان من الأولى الدعوة إلى تسجيل العضوية من قبل الوزارة كجهة محايدة، لا من قبل النوادي، ووضع الضوابط لمن يكون من أعضاء الجمعيات العمومية، بحيث يراعى أن تكون تلك الجمعيات متنوعة، حتى لا يسيطر عليها تيار واحد، ولأن ذلك لم يحدث فقد نشط الذين يخططون أن يقصروها أو على الأقل أن تكون لتيار واحد يمثلونه الغلبة فيها، وطبعاً غيرهم من المثقفين والأدباء لم يعتادوا مثل هذا التخطيط واحتساب الخطوات للوصول إلى الغايات الشخصية، لأنهم ولاشك كانوا يرون الثقافة إرثًا مشاعًا لا يملكه أحد، والأدب بكل صنوفه ساحة مفتوحة لكل من امتلك موهبة واستطاع الإبداع، فلم يشغلوا أنفسهم بالتخطيط لسيطرة فئة على أخرى، وفاجأ أهل التيار المنظم الجميع، واكتسحوا إدارات النوادي أو جلها، وبدأت منذ اللحظة الأولى تظهر الخلافات بين من انتخبوا أعضاء لمجالس إدارتها، وأتوقع أن تزداد هذه الاختلافات، وأن يتوارى النشاط الأدبي والثقافي، فهذه النوادي حتماً لم تنشأ لتكون حكرًا على فكر دون غيره أو فئة دون غيرها، وإنما أنشئت لتكون مقرات يلجأ إليها المثقفون والمبدعون منهم خاصة وفيها يتحاورون، ويعلنون عن إبداعاتهم وما ينتجون، وطبعًا كما قلت سابقًا ما دمنا ندعو إلى الوسيلة المثلى للاختيار عن طريق الانتخابات فنحن لا نزال في مرحلة التجارب، ويجب أن ندرك أن الأخطاء ستقع، ومع ترسيخ التجربة سنستطيع أن نقضي على جل هذه الأخطاء، ومن خططوا ونجحوا يجب ألا نرفضهم بل يجب أن نرحب بهم، ونمد إليهم أيدينا إلا إن رفضوا ذلك، ونطالبهم بالعمل الجاد للارتقاء بهذه النوادي، ومن قدم منهم خطة واضحة المعالم للنهوض بها وسعى إلى تنفيذها فنشد على يديه ونعينه، ومن لم يفعل واكتفى بحصوله على عضوية مجلس الإدارة يتحلى بها فإنه سيثبت فشله، ووجب أن ينحى عن هذا العمل، وحينذاك سيختار المثقفون والأدباء وغيرهم، ونحن نتطلع إلى المستقبل بقدر من التفاؤل، فالعمل الجاد المخلص وحده هو ما يثبت القدرة والكفاءة، لا مجرد الأقوال، التي ظلت سوقها رائجة في ساحتنا، وقل أن ينتج القول عملاً نهضويًا، في أي مجال من مجالات الحياة في هذا الوطن، فالذين يتحدثون بصوت مرتفع ويجادلون ويمارون لا حصر لهم، أما الذين يعملون وهم صامتون فهم الندرة، حتى أن النصيحة وكلمة الحق لا تجد لها في خضم هذا الصراخ طريقاً إلى النفوس فالعقول، لا في النوادي الأدبية وحدها، بل في العديد من مجالات العمل، فنحن نتحاور ونتجادل منذ زمن ليس باليسير، وقد نعقد لذلك المؤتمرات ونشكل اللجان، وتصدر تلك المؤتمرات وتلك اللجان التوصيات، ثم لا نجد لها في الواقع أي صدى، وكأن مهمتنا فقط الكلام، أما الفعل فهو مغيب لا أحد يفكر فيه ولا يحسنه أحد، وأما من ينتقد هذا الوضع فهو من يعرض نفسه لهجوم متوال لا يتوقف، وقد لا يغفر له البعض جرأته في نقد يظنون دوماً أنه موجه إليهم، حتى وإن تحدث عما لم يمسهم من قريب أو بعيد، ولكن المنهج الذي يسيرون عليه هو ذات المنهج الذي عليه من ينتقد تصرفاتهم، لذا خلت أكثر صحفنا اليوم من النقد إلا ما أسموه نقد النقد، فما يظهر نقد لأي فعل جانبه الصواب، أو خطأ فادح وقع، أو قصور متلاحق صوره لا حصر لها، إلا ووجد له معارضون كثر، بعضهم لم يستوعب ما قرأ، وبعضهم لم يقرأه وإنما سمع عنه، وذلك كما يقول المثل العامي (مع الخيل يا شقرا)، فكم من ناقد ليس أهلاً للنقد ولا يحسنه، بل لعله لا يدري ما الذي ينتقده الناس، ولكنه معهم يقلدهم، ولو لم يعلم شيئًا، عفا الله عنا وعن من يلوكون بالكلام في أشداقهم، ولا فعل لهم لخدمة هذا الوطن البتة، وردهم إلى الصواب إنه سميع مجيب.