في معجم الصحاح: الهوى: هوى النفس والجمع الأهواءُ، وإذا أضفته إليك قلت: هواي، وهوى يهوى، أي أحب، فأهل الهوى العاشقون، واللغة نزل بها كتاب ربنا ونطق بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وأهل العلم بعلوم الدين يفهمون نصوصه الشريفة عبر هذه اللغة، لكنهم عند نشوء العلوم الدينية استعادوا ألفاظًا من اللغة فنقلوها لما نقلها إليه الشرع، فأصبح لها مدلولات غير ما كان معروفًا في عرف أهل اللغة فأصبحت مصطلحات تدل على مفاهيم مختلفة مرجعها النصوص الشرعية فعندما يقول ربنا عز وجل: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)، وعندما يقول: (فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، وعندما يقول عز وجل: (وَلا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)، تعلم أن الهوى هنا غير الهوى بالمعنى اللغوي الذي يعني أن تحب شيئًا، وإنما ازداد معنى أن تحب شيئًا يعارض ما شرع الله لك فتميل إليه ولا ترعى أحكام الله فيه، فالهوى يدفعك إلى شهوات حرّمها الله عليك، ويميل بك إلى أحكام تناقض أحكام الله، وهذا يدفعك دون أن تشعر إلى نبذ هذه الأحكام وتحل لنفسك ما حرمت عليك، لذا قال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن)، ويقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة)، لذا حذر علماء الأمة وصالحوها من اتباع الهوى حتى قالوا: إذا أشكل عليك أمران لا تدري أيهما أرشد فخالف أقربهما من هواك، فإن أقرب ما يكون الخطأ في متابعة الهوى، وحتى بعضهم كتب كتبًا في ذم الهوى، وعجبت في هذا العصر أن أجد من مثقفينا من لا يفرق بين الهوى المضل، وما تحبه نفسه أو تهواه، فيذكر مثلًا طائفة قام مذهبها على الأهواء المضلة فادعت لنص الدين ظاهرًا غير مقصود وباطنا لا يعلمه إلا من أباحوا لها المحرمات ودعوها لعبادة غير الله، ويقول إن هواه لها، وما علم أن هذا الهوى قد يهوي به في النار، دون أن يعلم، وما أضل من ضل من المسلمين إلا اتباع الهوى، فلو قصر العبد المؤمن هواه على ما جاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم به، من هذا الكتاب الكريم، كتاب ربنا المعجز، الذي لو عكفنا على قراءته، وجعلنا له في يومنا وليلتنا نصيبًا نقرأ منه عدة صفحات، ثم نقرأ بعد ذلك ما شئنا لهدانا إلى الحق وأبعدنا عن كل باطل، وهي نصيحتي لكل مثقفينا رجالًا ونساءً، فهجران كتاب الله إثمه عظيم، يجعل القلوب جافية لكل حق ويجعلها متقبلة لكل باطل، فادرأوا إخوتي عن أنفسكم مثل هذا، وأقبلوا على قراءة كتاب الله ثم سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تكونوا بإذن الله من أسلم الناس أسلوبًا وأقدر على علم وأدب، بل يعينكم ذلك على فهم كل ما تقرأون، فأصل اللغة فيهما، ومن حفظ الكثير منهما كان أفضل الناس أدبًا وبلاغة، ومن سبقونا من العرب حتى من لم يكن منهم مسلمًا إنما تعلم اللغة بهما، وعني بهما في شبابه وكهولته، وأعجب اليوم عندما ألمس في كثير من كتابنا ضعفهم في الكتابة، فإذا سمعته يتحدث علمت أنه لم يطلع قط على شيء من كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإلا لاستقامت عبارته، وكان بليغًا فيما يكتب أو يلقي، والحذر كل الحذر أحبتي ألا يقلبكم الهوى، فتظنوا أن البعد عنهما خير، وأن الخير في غيرهما، أو أنهما لا يقودان إلى ثقافة راقية، فاللهم اهدِ كل من تعلق بالكلمة وأمسك بالقلم ليكون عونًا على الحق ساعيًا إليه ما استطاع ليحظى في الدنيا والآخرة بما يحب ويتمنى، فالحق طريق النجاح، والباطل السبب الرئيس في الفشل.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …