يرى بعض من لا أدراك لهم لواقع الحياة ان الهوية الوطنية اي انتساب المواطن الى وطن معين يعني انه ينفني كل انتماء له سواه، وهذا لا حقيقة له، فالذي ولد في اقليم له عاداته وتقاليده هو منتم له سواء أراد هذا الانتماء أم لا، فالذي ولد في نجد مثلا فهو بطبعه منتم الى البقعة التي ولد فيها ، واذا اعتز بها وأنتمى اليها، لا يقول له أحد أنك تخليت عن هويتك الوطنية فهو سعودي وان كان نجدياً كذلك من ولد وعاش في الحجاز فهو منتم بطبعه لهذا المكان أو الاقليم وان قال : إني حجازي لا يقول له أحد أنت تتخلى عن هويتك الوطنية، والنجدي والحجازي ينتميان إلى أرض الجزيرة وما فيها من عادات وتقاليد وهو منتم إلى الخليج العربي كما هو منتم إلى العرب,الذين يجمعونه بكل ناطق بلغته مشارك له في تاريخه، وإنتماؤه الديني يجعله مسلماً ثم هو فوق ذلك مواطن عالمي إنساني منتم لإإلى هذا العالم وكل هذه الانتماءات لا تعارض بينها وبين الانتماء الوطني.
ومن يتصور ان بينهما تعارض هو لم يدرك ألا قيد على المواطن تجاه هذه الانتماءات لأنها طبيعية، والهوية الوطنية لا تحرمه من أي منها، والغريب ان تجد من يخون أخا له من أبناء هذا الوطن اذا ذكر أحد أي من هذه الانتماءات، ولو أن من خون جاهلا لعذرناه، أما إذا كان ينتمي الى ما نسميه النخبة المثقفة فلا عذر له في مثل هذه الحساسية التي لا يؤيدها واقع، والتخوين ليس أمراً سهلا حتى يتهم به كل أحد لمجرد أن قال : أنا حجازي أو نجدي أو عسيري ، أو جنوبي فهو حتماً لا يقصد نفي هويته الى وطنه، فلنكن عقلاء فلنحمل أقوال أخواننا على أحسن محاملها، فهذا ما يحثنا عليه الدين، فقد قال بعض فقهائنا لو كان في كلام مسلم الكثير مما يجعلك تحكم عليه بفسق أو وردة وتجد في قوله القليل مما يبقيه مسلماً لحملت قوله على ما يبقيه كذلك أما المبادرة الى التكفير فليست من أخلاق المسلمين، وأن يكون بيننا من إذا لم يعجبه قول مواطن طالب باسقاط الجنسية عنه ثم يتحرك هذا المواطن فيهاجم من قالت انها حجازية، وكأننا نتربص بعضنا بالبعض الآخر الدوائر، حتى أن الناس أصبحوا يسخرون من ذلك ولعل من يشتغلون بمثل هذه الموضوعات يكفوا عن هذا فهو ليس في مصلحة وحدتنا الوطنية، التي هي خط أحمر نأمل من الجميع ألا يمسوه بما قد يغرق بيننا لأوهام تعشعش في بعض الرؤوس فيحاول من خلالها ضرب هذه الوحدة الوطنية التي هي الضمانلاستقرار وطننا وأمنه، وعدونا ولاشك هو من يحاول شق صفنا لمجرد أنه أراد ان ينتقد احداً لانه يحمل في صدره له ضغينة فالتلاعب بالالفاظ المؤدي لمثل هذا هو في ذاته خطر على مجتمعنا وكم نتمنى من اخواننا ان يراعوا عند اطلاق عباراتهم ألا تؤدي لما يشق صف مواطنينا لمجرد أوهام ملأت رأسه، أو أنه يصفي حسابات مع من اختلف معه يوماً.
إن الوطن لن يحميه من لا يعرف حقوق الوطن ولا حقوق المواطنين لطلق لسانه فيمن بشاء يذمه ويهجوه بل ويتهمه بالخيانة فهذا السلوك غير المنضبط لا يجب أن يصغي إليه أحد فالوطن يحميه من يعرف له ولأهله الحقوق ويرتضي ان يفديه بالمال والولد والروح، لأنه لا يتصور أن يفقده، لأنه يفقده يفقد الحياة فهل تدركون هذا هو ما أرجو والله ولي التوفيق.