كثير من الناس اليوم إذا نُصح أن يَترك رذيلة، وأن يهتم بفضيلة، جرَّد لك سلاحًا، واتهمك بأنك تعظه، وكأن الموعظة ذنب يجب اجتنابه، وقال لك: لعلك أصبحت واعظًا، وكأن الوعظ مما يعيب صاحبه ويصرف الناس عنه، وما علم هذا أن أول الواعظين ربنا عز وجل، أليس يقول ربنا في محكم كتابه: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ)، ويقول عز وجل: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِنَ الكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ)، فالقرآن وعظ ولاشك، لذا وصفه الله فقال: (هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ)، ويقول أيضًا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ* قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، وينبّه المؤمنين لقبول الموعظة وعدم رفضها فيقول سبحانه وتعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا* وَإذًا لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا* وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)، فالقرآن كله موعظة للمؤمنين وفي السنة من الموعظة أفضلها، لا أعلم لماذا في عصرنا هذا يكره بعض الخلق الموعظة ويعتبرها عيبًا يجب اجتنابه، إنه ولاشك الجهل بهذا الدين الحنيف، وطبعًا لدى بعض وعاظ عصرنا هذا ما ينفر الناس من أحاديثهم، ولكن ذلك لا يدعو مؤمنًا أن يكره ما أمر الله به من النصيحة والموعظة الطيبة، فهي واجبة شرعًا على من تأهل لها، وسماعها واجب شرعي ممن تهدى إليه، والتعاون على البر والتقوى يقتضي هذا، وإذا كان البعض ظن أن الابتعاد عما أوجب الله وشرع تنوير؛ كما يتردد في بعض الكتابات الصحفية وما تتناوله وسائل التواصل الاجتماعي، فهو من أفدح الأخطاء، نسأل الله تعالى أن يجنبه كل مؤمن يسعى لرضا ربه، وما هذا إلا وهو الإظلام التام الذي يعتري النفوس والعقول، والموعظة من المخلصين نكشف لعباد الله ما قد يكونون قد وقعوا فيه من عظيم الأخطاء، وسماعها وقبولها يجعلهم يتراجعون عن هذه الأخطاء، ويسعون جادين إلى طاعة الله ورضوانه، وفي هذا لهم عظيم الانتصار على النفس الأمارة بالسوء، وعلى الشيطان الذي يؤسس لها، ولنتذكر أننا جميعًا مدعوون إلى أن نعظ النفس والأهل والأصحاب، فذلك ما أمرنا به، ولنبتعد عن كل طريق لا يؤدي إلى رضا الله وطاعته.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …