أنا من المتابعين لأخي الأستاذ محمد الرطيان المعجبين بجل ما يكتب، وقد استثار اهتمامي بمقاله (الولد والفتوى) المنشور بهذه الجريدة يوم الأربعاء 12 /4 /1435هـ، وقد أجاد في نفي أن الفتوى وحدها هي التي دفعت مراهقينا إلى الذهاب إلى مواقع الصراع باسم الجهاد، فالفتاوى في هذا الوطن لها خزائن تضخمت على مرّ الزمن شارك فيه العالم الحقيقي المؤهل لها، وأنصاف العلماء الذين خطأهم أعظم من صوابهم، والأدعياء المفتون بجهل، والذي لا شك فيه أن بعض هذه الفتاوى التي جانب أصحابها الصواب، وغلت في الدين وتشددت فيما هو ميسر من أمر الدين وساهمت في نشوء تدين زائف، يبتعد عن مقاصد الشريعة وأصولها وقواعدها، كما صنعت بيننا شرخًا يصعب أن يلتئم بسهولة، فبعضنا بسببها اعتبر نفسه المسلم الحق، الطائع لربه، الذي يحق له أن يوجه غيره، وأن يأخذ غيره منه صحيح الدين، والآخرون من إخوانه المؤمنين مشكوك في إيمانهم، عصاة يجب أن يردوا إلى الصحيح من الدين الذي لا يعرفه غيره، إن لم يصفهم بالمنافقين حينًا أو الملحدين حينًا آخر، وبينهما من التصنيفات ما لا عد له ولا حصر، وهذه الخزانة حتى يومنا هذا لم تدرس بعناية ليعرف منها ما صنع هذه القنابل البشرية التي تفجر نفسها رغبة في الوصول إلى الجنة، ولا هي نصرت قضية ولا انتفع منها الوطن، وهذه السلاسل من الجثث التي عادت إلى الوطن رفاتًا، أو تلك التي دفنت حيث انفجرت أو قاتلت، أو تركت في العراء تأكلها الطيور والسباع، وحتمًا الذين يتحدثون عنها يتبعون إخواننا الاقتصاديين حينما يدرسون ظاهرة، فيدرسون عنصرًا يرونه مهمًا بتثبيت العوامل الأخرى الفاعلة فيه وليس معنى هذا أنهم يغفلون العوامل الأخرى، أما تشكل الولد بتلك العوامل كلها فهو أمر حقيقي، ولكن شيوخ الجهاد لا يفتون وإنما يغسلون الأدمغة، فنحن شعب متدين كل منا يحرص أن يصحب أولاده منذ الصغر إلى المسجد، ويفرح إذا اعتاد ابنه الذهاب إلى المسجد، ولكن اليوم يتسلل إليه الكثيرون أهل العلم والأدعياء معًا، والدروس فيه بعضها ظاهر بيِّن، ومنها ما هو خفي، وهناك يصنع الاتباع، ألم تر هؤلاء الأحداث صغار السن يتابعون أحدًا مما يسمي نفسه داعية كلما ذهب إلى مسجد ذهبوا على عقبه زيهم واحد وطريقتهم واحدة، ويزرع المتبوع في رؤوس الاتباع ما يشاء، وجميعنا نحمد لهؤلاء الصغار تدينهم، ولكنا لا نتابع ما يجري في المسجد، وخارجه فيما بعد في مجالس يحضرها هؤلاء المراهقون، وتملأ رؤوسهم بالجهاد الذي يعني قتالًا في بؤر صراع منتشرة عبر أراضي المسلمين كافة، ويشترك فيها المسلمون وغير المسلمين، وتتفق الأهداف حينًا وتختلف حينًا آخر، فغسيل الأدمغة لا يتم بفتوى واحدة ولا عدة فتاوى، بل بما يقول العامة (الدوي في الآذان أمر من السحر) فجلسات متعددة وحديث متواصل، وظروف ملائمة، وغياب المتابع والملاحظ، وغفلنا حتى وقع ما نخشى، فليست الفتاوى غير مسؤولة، ولا شيوخ الجهاد برئيين، وحتمًا الولد صاغه هذا وعوامل أخرى أشار اليها أخي الأستاذ محمد الرطيان، فالمدرسة والدروس الخفية فيها والمطويات والأشرطة ومواقع الإنترنت وغيرها كل هذا له ولا شك تأثير، والذين ينظرون إلى هذا الأمر تختلف أنظارهم فبعضهم يرى هذا العامل أنه الأهم فيركز عليه، وهذا يرى عاملًا آخر هو الأهم ويركز عليه، وثالث يخالفهما فيرى العامل الثالث أهم، والكل مصيب، ولا معنى لتأنيب أحد منهم أبدًا، المهم أن نصل عبر ما يعرضون إلى ما يمكننا أن نجنب أولادنا تأثير كل هذه العوامل، وهذا يحتاج أن تدرس الظاهرة من كل جوانبها وتطرح على المتخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع وعلماء الشريعة والتربويين، فعدة الأمم شبابها فإن لم يحموا من الظواهر الضارة عاد ضررهم عليها بشر مستطير، ويجب ألا يغيب عنا صناعة المقاتل غير المؤهل للقتال فكما يصنعه المنظر المتبوع، فهناك من حوله آخرون يساعدونه في المهمة، منهم شباب سابقون انخرطوا في عمل من بؤر صراع سابقة، يهيئون الولد ليقنعه الشيخ أن الجنة قريبة جدًا منه حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.. وهناك المتع الحقيقية الأوفى من متع الدنيا، الحور العين والخمر الذي لا يزول معها عقل ولا ينزف، وكل أنواع المتع، وإذا تحول الأمر إلى إيمان ثابت في القلب أصبح الموت سهلًا، فبع من شئت لمن شئت، هكذا هي الأسطوانة التي قادت شبابنا إلى القتال بالخارج في بؤر الصراع وحقائق الدنيا قد تغلف بما شاء الواعظ والشيخ حيث يقود من سهل قيادة، ونحن منذ أن واجهنا هذا أول مرة في أفغانستان لم نستطع أن نقود معركة فكرية تواجه هذا فتبين للناس كلهم حقيقة الجهاد ومتى يكون مشروعًا، ومتى يكون مأذونًا فيه وتحت أي رأية يكون، ومن الذي يؤهل له، وكيف يؤهل له، حتى يعرف أبناؤنا أن الجهاد لا يتخذ القرار فيه الفرد وحده، وقد يقاتل وهو آثم في قتاله، بل قد يكون قتاله كالكفر إذا رفع سلاحه على مسلم فقتله ولا أحد يثقف الناس ويعلمهم، وتترك الساحة لهؤلاء الذين لا هم لهم في الدنيا إلا أن يربحوا حتى من أحزان الآباء والأمهات، ولا ننسى أخيرًا الممول لهذا التنظير ولرحلات هؤلاء المراهقين لمواطن القتال وبؤر الصراع، إن لم نواجه كل هذا فستظل هذه الظاهرة منتشرة وسنجد في بيوتنا أحزانًا مستمرة ما دام هناك منظر متبوع وتابع مهمل لا يتابع وظروف محيطة تصنع منه قتيلًا فهلا استوعبنا هذا كله هو ما أرجو والله ولي التوفيق.