طبعاً لم يكن أحد حتى في محيطنا الخليجي يتحدث عن إعلام قطري، حتى ظهرت قناة الجزيرة والتي كانت بدايتها مختلفة كلياً عنها اليوم، حيث كانت البداية في زمن ركود الإعلام العربي في ظل العديد من الحكومات الاستبدادية، التي لا تسمح له بأن يكون حراً في عرض الآراء المتنوعة في جل أوطاننا العربية، وبعد فشل القناة البريطانية BBC والتي كانت تبث عبر باقة للأوربت، فاستغلت قطر الفرصة وتعاقدت مع جل القائمين على هذه القناة إشرافاً وتحريراً وإذاعةً، فقدم بعضهم إلى الدوحة للعمل في القناة الجديدة، والتي اقترح اسم لها (الجزيرة)، وروجت القناة لنفسها بأنها تعرض الرأي والرأي الآخر، وتسعى لترسيخ حرية التعبير، وأعجب المتابعون بها، حيث لا يجدون لها مثيلاً في كل القنوات التي تبث باللغة العربية، رغم إدراك الجميع أن الحرية التي تزعمها هذه القناة منقوصة، لأنها لا توجه نقداً للسياسة القطرية أبداً، ولأنها تنتقد في البلدان الأخرى، ما هو موجود بأوضح صورة في قطر، كالقواعد الأمريكية والموجود الأكبر منها قرب الدوحة، ولكنها ظلت تستحوذ على متابعة المواطنين العرب لشعورهم أنها في كثير من الأحيان تتحدث بألسنتهم، ولما ظهر برنامج “الاتجاه المعاكس” بدأ كثير من المتابعين يشعر بأن القناة من الناحية الأخلاقية قد أفلست، وكثير منهم حينئذ كف عن المتابعة، فلما بدأت ثورات التغيير، التي أسماها الغرب “الربيع العربي” ونشطت قطر في مساعدة تلك الشعوب عبر التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية مما أضفى على هذه الثورات بعض الشبهات، رغم علم الجميع أن عامة من طالبوا بالتغيير لم يكن بينهم وبين هذه الشبهات صلة، وإنما لمن استغلوا هذه الثورات لمصلحتهم الخاصة، ومنهم الغرب وعلى رأس قواه السياسية والاستعمارية الولايات المتحدة الأمريكية، ولما حدث التغيير في مصر وجدنا قطر تحاول التدخل في الشأن المصري عبر هذه القناة، لتؤيد فئة سياسية دون أخرى لمصالح تُحقَّق لصالح مخططات غربية معلنة لتقسيم هذه الدول العربية التي تعرضت لهذا الربيع الذي كانت تسميته خديعة لهذه الشعوب، فليس بينه وبين فصل الربيع الموصوف بالاعتدال في منطقتنا العربية من صلة، فقد دبت الفوضى في هذه الأقطار الربيعية ولم تتجاوزها حتى اليوم، وبعد مضي ثلاثة أعوام على هذه الثورات أصبح الاستقرار أبعد ما يكون عن بعض هذه الأقطار، وأصبحت حروب المخابرات الأجنبية على أرضها معهودة متكاثرة، ولعبت قطر بأموالها وإعلامها الدور الأبرز في هذا كله، حتى أن بعض الشعوب حملت للسياسة القطرية بعض الكراهية لما أحسوا به من عداء لهم، وإعانة لأعدائهم عليهم، حتى أصبح الناس في مصر يعتقدون أن كل رصاصة تقتل مواطناً دفعت ثمنها قطر، وبعد أحداث 30/6/2013م في مصر، وسقوط حكم الإخوان، أصبحت القناة تفبرك أخباراً لم تقع وتجتهد في إبرازها، لمصلحة دولتها وتحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية التي رأت في الإخوان جماعة المرحلة التي تمكنها أن تحقق غاياتها في هذا الشرق التعيس، وحتما أمريكا لا ترتضي الإسلام كدين، وترى في المسلمين خطراً عليها، وإنما رأت أن بعض هذه الجماعات تتوق للوصول إلى سدة الحكم ولو عبر حلف معها يجعل ربيبتها الدولة الصهيونية في أمان، ولعل ذلك الاتفاق الذي وقع بين حكومة الإخوان ممثلة في الرئيس مرسي وبين الكيان الصهيوني والذي منع فصيل حماس الإخواني في غزة من إطلاق صواريخه باتجاه هذا الكيان دليل على ذلك، ولم ينس المصريون ذاك الخطاب الذي وجهه مرسي لـ”العزيز” شيمون بيريز، والذي اشتمل على المودة والتمنيات له ولدولته بالسعادة والاستقرار، والتي أنكرت الجماعة أن يكون صدر عن “فخامة الرئيس”، فلما نشرته حكومة الكيان الصهيوني اضطروا للاعتراف به، وبرروه أنه خطاب روتيني، وهم دوماً ينكرون الشيء فإذا عرف الناس يقيناً أنهم هم من فعلوه اضطروا للاعتراف به، ثم محاولة تبريره، وغالباً ما يظهر هذا التبرير في صورة يرثى لهم فيها.
وفي ليبيا بدأ الشعب الليبي ما عدا جماعات القاعدة والإخوان ومختلف هذه الجماعات المتأسلمة يشكو من استهداف قطر وإعلامها لاستقرار الوطن الليبي، ومحاولة إبقاء الفوضى التي انتشرت بعد ثورته داخله، بفعل المال القطري الذي يصل إلى هذه الجماعات باستمرار ويحرضها على ما تقوم به من إرهاب للشعب الليبي، كذا ما يجري على أرض تونس، والتي وصل إلى الحكم فيها جماعة النهضة الإخوانية بدعم من قطر والولايات المتحدة الأمريكية، وواجهها الشعب حتى جعلها تتخلى عن كثير مما أرادت أن تجبر هذه الجماعة الشعب التونسي عليه، فالحقيقة التي لا مراء فيها أن الإعلام القطري قد بدأ الانزياح عن الساحة منذ زمن طويل، إلا أن الأمر تم تدريجياً، ولعل هذا الانزياح جاء في مصلحة الدول الخليجية، والتي استهدفها الإعلام القطري منذ إنشاء قناة الجزيرة، ولولا أن هذه الدول لا تستعجل في إطلاق مواقف ضد الغير بسهولة لكانت أول الدول المعترضة على السلوك القطري، ورغم كل ما أصابها من إعلام قطر ظلت تتواصل معها، ولكنها اليوم بدأت تتخذ من المواقف تجاه قطر مما قد تظهر نتائجه عن قريب، ولأن قطر غير مؤهلة لكل ما تمتلكه من قدرات أن تكون قائدة للعالم العربي، ولن تستطيع تقديم نفسها للولايات المتحدة على الصورة التي ترضاها، وأنا لا أشك أن الشعب القطري لا يرضيه هذه المواقف، وسيدرك الجميع في قطر أن العودة إلى سلوك الإخاء العربي يجب أن يكون رائد الجميع، فاستقرار كل وطن عربي في مصلحة الوطن الآخر، فهل تفعل هذا؟!
هو ما أرجوه والله ولي التوفيق.