يقول الأستاذ الدكتور حازم الببلاوي: لقد أصبحت الديمقراطية قضية الساعة في عدد كبير من الدول، ومع ذلك فلعله لا يوجد اصطلاح امتهن وتعددت استخداماته كما حدث لمفهوم الديمقراطية، فها هي الديمقراطيات الشعبية أو الجماهيرية التي قامت بزعم مجاوزة شكلية الديمقراطية (الليبرالية) ومن أجل تحقيق الديمقراطية الحقيقية، فإذا بها وبعد أن سقطت الواحدة بعد الأخرى تكشف عن وجهها السافر، فلا هي ديمقراطية كما لم تكن شعبية أو جماهيرية، وفي نفس الوقت الذي يزداد الانبهار بالديمقراطية والليبرالية في المجتمعات التي عاشت في ظل الشمولية والقهر والاستبداد، فإنا نلمح بعض مظاهر الملل والقلق في الديمقراطيات الغربية العريقة نفسها، ويمضي في كتابه المعنون «الديمقراطية الليبرالية قضايا ومشاكل» الذي صدر عام 1993م لكشف ما تعانيه الليبرالية من مشكلات ويحذرنا من خطر يتهدد هذه الديمقراطية الليبرالية اذا أصررنا كما هو الحال اليوم على ترديد بعض الشعارت أو الرموز دون أن ننفذ إلى جوهر وروح الديمقراطية، فيقول: لا يكفي أن نردد شعارات (حكم الشعب بالشعب) كما لا يكفي إقامة البرلمانات والمجالس النيابية، أو الحديث عن التعددية السياسية وغير ذلك من الرموز والشعارات، ويعرض في مقاله للجذور الفكرية للديمقراطية الليبرالية، وارتباط الليبرالية بفكرة الحرية والديمقراطية، ويسرد لنا تطوير الليبرالية عبر تقدم وتراجع مستمر حتى اليوم ثم يحدثنا عن الفرد والمجتمع والدولة في الفلسفة الليبرالية في فصل آخر، وفي فصل ثالث يعيدنا للواقع فالليبرالية ليست جنة الله على الأرض، ويرى أنها في تطور مستمر، ولو توقفت عنه ماتت ويتحدث عن دولة القانون في ظل الديمقراطية الليبرالية وفلسفتها في هذا وعلاقة ذلك بالأخلاق والدين، وما يعتري ذلك من تمايز واحتياج لكل منهما للآخر، ثم يتحدث عن مبادئ المالية في ظل الليبرالية وما يعترض كل ذلك من مشكلات فيقول: والديمقراطية ليست مجرد تحرر من القيود بقدر ما هي انصياع لحكم القانون ورفض للأهواء، ولذلك لم يكن غريبا أن آباء الديمقراطية والعقد الاجتماعي كانوا يرون أن الحالة الطبيعية هي حالة الوحشية والظلم والتسلط (هويز ولوك وروسو) وأن العقد الاجتماعي والانتقال الى المجتمع المدني بعد المجتمع الطبيعي هو عمل من أعمال الإرادة الانسانية والتنظيم، وأن الديمقراطية ليست الحالة الطبيعية بقدر ما هي جهد للخروج من المجتمع الطبيعي الى المجتمع المدني، ليصل الى أن الديمقراطية ليست عالمية أو حتمية، بل هناك من يقاومها، فضلًا عمن يدعى خصوصيتها للغرب، فإنه لا يجوز بالمقابل تجاهل حقيقة الملل والشكوك حول الديمقراطية في عدد غير قليل من الدول ذات التراث الديمقراطي العريق، فالإقبال على صناديق الاقتراع يقل من عام الى آخر، والشكوى عامة من تدهور مستوى رجال السياسة، والفضائح المالية وقصص الفساد تنتشر في معاقل الديمقراطية واستقرارها في العمل، فما يزال الفرد يشعر بأنه لم يعد سيد أفعاله، وأن المشاركة السياسية ليست سوى مظهر وليست حقيقة، فهناك قوى غير مرئية تسير الاحداث وتتحكم في المصائر، هي قوى المال والشركات الكبرى، أو قوى البيروقراطية، وأخرى للإعلام وأدوات التأثير النفسي، وينتهي الى القول: إن الديمقراطية الليبرالية تمثل نظامًا معقدًا من القيم والتقاليد فضلًا عن أنها كائن متطور لابد من رعايته ومتابعته وأن أسباب التحلل والتدهور أكثر بكثير مما يبدو، ومن ثم فالليبرالية في حاجة مستمرة للرعاية والتحصين ـ وإذا لم يكن تحقيق الديمقراطية حتميًا، فإن بقاءها رهن مما تلقاه من اهتمام ورعاية وتحصين، فهي في نظرنا مثلها مثل كل الأفكار البشرية تتعرض للتآكل من داخلها ولكن لدينا من لم يطلعوا على حقيقتها وإنما خدعتهم الدعاية لها، فما نظروا إليها كفكر بشري قد يتراجع بل قد يحل محله ما هو أفضل منه، وأعطوه أكثر من قدره وتشبثوا بخيوط العنكبوت، ولعلها تنقطع فإذا هم في العراء مكشوفون ما عرفوا الليبرالية وما كانوا من أهلها، وليس لهم القدرة على تطويرها، فلاهم كفوا عن ترديد دعوات جوفاء وهم لا يعلمون الحقائق، فهل كفوا عن ذلك هو ما نرجو والله ولي التوفيق.