بين الفقه والقانون

كلمة القانون كمصطلح يعني الأحكام التي تضبط علاقات الناس ببعضهم وتعني ضرورة وجود مثل هذه الأحكام حتى لا يطغى البشر بعضهم على بعض، وأحكام الفقه الإسلامي الذي يُعرفه علماء الأصول: بأنه العلم بالأحكام الشرعية العملية (الفرعية) المكتسب من أدلتها الجزئية، وهو بهذا التعريف يشير إلى عملية الاستنباط التي يقوم بها العلماء المجتهدون من النصوص الشرعية للأحكام لكل ما يتجدد في حياة الناس من وقائع تحتاج إلى أحكام تضبطها، ذلك أن ما جاء بها النص قطعًا من الأحكام هوالأقل، وما يجتهد فيه هوالأكثر، والاجتهاد باقٍ حتى تقوم الساعة، ولا يمكن لأحد أن يمنع العلماء أن يجتهدوا لوقائع عصرهم ما يرونه من الأحكام ملائمًا لها، ولذا فإن الخزانة الفقهية الإسلامية عظيمة القدر جليلة في ما أرشدت إليه من أحكام إلى ضبط حياة الناس على مر العصور، ويمكن للمسلمين أن يجددوها ويراجعوا ما فيها من أحكام إذا أصبحت لا تلائم حياتهم في العصر الذي يعيشون فيه، وترتيب هذه الأحكام في شكل مدونة قانونية يسهل الاطلاع عليها، وتوحد الأحكام في القضايا المتشابهة أمر لا قيد عليه وليس فيه محظور شرعي، وما ضر المسلمين إلا نوعان من البشر: أحدهما يتهم كل منتج إسلامي ولوكان مبدعًا يأخذ عنه الآخرون بأنه متخلف وأنه نتاج مستبدين، دون أن يكلف نفسه قراءة هذا المنتج أوالاطلاع عليه، ودون أن يتعرف على من أنتجوه، وثانيهما يجمد على كل ما أنتج المسلمون من هذه الأحكام الفقهية ولوأصبح بعضها لا يلائم الزمان والمكان اليوم، وأما أن يجتهد العلماء في هذا العصر كما اجتهد من قبلهم، ويحكموا قانونًا إسلاميًا رفيع المقام ملائمًا لعصرهم فهوالحق الذي لا مرية فيه، أما أن نتخذ من تشريعات قانونية أبدعت في مجتمع آخر له ظروفه ووقائع معيشته فتلك كارثة، لأنك تريد أن تحكم مجتمعًا بقانون لم يوضع له، فإذا كان القانونان كلاهما من إنتاج البشر فخيرهما ما وضع لمجتمعك الذي تعيشه فيه وارتبط بواقعك، ثم له شرف الانتساب إلى دينك، ولكن منا قوم يجهلون، لا يرضيهم سوى التفلت من كل ما له علاقة بالدين بدعوى الحداثة، وما هم بالذين يقدرون على التحديث، وما هم بالذين يستطيعون إحياء تراث أمتهم، بل هم كالغراب الذي أراد أن يقلد الطاؤوس في مشيته، ففقد مشيته ولم يستطع تقليد الطاؤوس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: