لاشك أن حرية الكلمة مبدأ أصيل، يحمي الفكر الإنساني من الإغلاق، ويساعد على جعله حياً يتجدد على مر الزمان، وحينما يضيق عليها أو تقمع، فلاشك أن حتى ما يتوق إليه البشر من تطوير حياتهم وحصولهم على حقوقهم قد يضار ضرراً شديداً، ولكن الكلمة سلاح نافذ إن لم تضبط حريتها بمسؤولية تامة، فلا تتعرض للانطلاق من أفواه لا يُقدِّرون مسؤوليتها أو على أقلامهم، فتصبح بفعلهم فوضى كلام لا حرية كلمة، فتدمر المجتمع ولا تبني له فكراً، وهو ما يكون في فترات زمانٍ تصبح فيه الكلمة حرفة من لا حرفة له، فلا علم له ولا فكر وإنما يلقي بالكلام على عواهنه، لا يعرضه على عقل ولا دين، فيتلقَّاها من هو مثله وينشرها، فيضر المجتمع أضراراً بالغة، وهذا ما حذَّرنا منه سيّدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما قال في الحديث الصحيح: (إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة -مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة, وإن العبد ليتكلم بالكلمة -من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم)، والمؤمن الحق من لا يتفوَّه بكلام إلا وعرضه على العقل والدين، فإن ما أراد أن يقوله يوافقهما، نطق به، وإلا صرف نفسه عنه، حفاظاً ألا يتكلم أو يكتب إلا ما يراه ينفع مجتمعه وأمته، لا ما يضره ويضرها. وفي فترات من الزمان ينتشر بين الناس لون من فوضى الكلام، فيتفوّه كثير من الناس بكلام قد يكون خطره على المجتمع والأمة أخطر من نافذ السلاح الذي يخترق الأجساد، ويؤدي إلى الوفاة، فينطلق الكلام من الأفواه كالرصاص يهدم ولا يبني، وقد مرت في حياة أمتنا فترات هكذا وُصِفَت انتشرت فيها من الكلمات التي تهدم الكثير، حتى تضررت مجتمعات المسلمين تضرراً بالغاً، لولا أن قام العقلاء ممن تحصنوا بالعلم الشرعي والعقلي في كل ما يقولون، فواجهوا الحالة بحزم، وأقنعوا الأمة بأن حرية الكلام مسؤولية عظيمة لا تُمنح إلا لمن يُقدِّرها حق قدرها، فلا ينطق ولا يكتب إلا ما يفيد مجتمعه وأمته، المقبول شرعاً وعقلاً، وإنا نسأل الله ربنا أن يُوفِّق أمثالهم في زماننا، للتصدي لكل كلمة غير مسؤولة، يُنبِّهون عليها حتى تضبط.. فهو ما ننتظره، والله ولي التوفيق.
معلومات التواصل:
ص.ب: 35485 جدة 21488
فاكس: 6407043
إيميل: [email protected]