من القضايا الجدليَّة في مجتمعنا الحديث أنَّ الغرب يحيك للدول في الشرق، ومنها الدول العربيَّة مؤامراتٍ ليحصل على ما يريد منها، وإن أضر بمصالح شعوبها، فيثور الجدل بمجرد طرح الفكرة، فهناك مَن لا يريد أن يعترفَ بوجود هذه المؤامرات، حتَّى وإن كانت نتائجها ملموسةً ظاهرةً، بل ويُرَى هذا الفريق يُشوِّه القضيَّة، ويتندَّر بها قائلاً: ماذا يوجد في هذه الدول ممَّا يخافه الغرب ليعد مؤامرات ليدفع عن نفسه شرًّا متوقعًا، ودول الشرق لا تمتلك من القوة بجميع أنواعها ما يجعل الغرب يخافه، وفريق يؤمن بوجودها قديمًا وحديثًا، ويلوِّح دومًا بما جرى في القرن التاسع عشر، وما بعده، وما حِيك من تآمر على الدول الكبرى في الشرق عبر تفتيتها إلى دويلات هي القائمة إلى عهد قريب، والتي بدأت دورة أخرى من التآمر لتفتيت المفتت مرَّة أخرى، ويلوح في الأفق الحقيقة التي لا يمكن أن يُثار حولها جدل من أيِّ نوع، وهو أن الغرب لا يبني سياسته إلاَّ على مصالح له، يسعى إلى تحقيقها، وهذه المصالح حتَّى هذه اللحظة لا تتوافق مع مصالح هذه الدول الشرقيَّة وشعوبها، فإذا استدعينا مثلاً اتفاقيَّة سايكس بيكو، السيّئة السمعة، ولم نعتبرها مؤامرة، فهي مصالح للدول الغربيَّة التي قامت بتلك الخطة المحكمة لتكون الدول الشرقيَّة غنيمة لها تضعها كلّها في موقع التبعيَّة للدول الغربيَّة المنتصرة في الحرب العالميَّة، ولا تزال ملامح هذه التبعيَّة يؤكِّد عليها حتَّى ما يدَّعيه الغرب من حرب للإرهاب، الذي حقق له الكثير من المزايا لمزيد من التحكُّم في دول الشرق، والذي أصبح سلاحًا ماضيًا لسايكس بيكو جديدة، تظهر ملامحها في عدة أقطار عربيَّة تفتَّت الآن إلى كنتونات صغيرة تُبنى على أسس عرقيَّة ودينيَّة مذهبيَّة، وهذا يتيح للدول الغربيَّة مزيدًا من بسط الهيمنة على الدول الشرقيَّة والتي يمنحها أوصافًا عديدة، فهي كانت الدول المتخلِّفة حتَّى إذا ما نبذ أهلها هذا الوصف رقيت إلى دول ساعية للنمو، فدول نامية، لكنَّ بقاءها على ما كانت عليه لا ترغب دول الغرب فيه، وتعدّها عبر تدخلات مستمرة تظهر ملامحها اليوم بوضوحٍ تام، وهذه الجماعات المتأسلمة تمهّد الطريق لهكذا تدخلات، ولعلّكم معي تستغربون كيف أن هذه الجماعات التي ظلَّت تصدّع رؤوسنا لما تدّعيه من كراهية للغرب والمستغربين، وهي توثِّق صلاتها به على الدوام، حتَّى أنَّ ما تسميه الجماعات الجهادية، والتي تأتمر بأمرها، وتقوم بعمليات إرهابيَّة بين الحين والآخر يسلم منها الغرب غالبًا، ويتساقط ضحاياها في دولنا كل يوم، وانظروا لما يحدث في مصر يوميًّا من الجماعة الإخوانيَّة، ويساعدها عليه كل إرهابيّ ممَّن تُسمِّيهم الجهاديين، والذين تمدهم بالمال والسلاح.
إنَّ السياسة كما يقولون لعبة، وهذه الجماعات المتطرِّفة لعبتها بما يحقق لها غاياتها، ولكنَّها -بإذن الله- لن تنجح أبدًا، فالعداء لا يكون لأمَّتهم لو كانوا يعقلون.