تخريب المرافق جريمة

كلّما زرتُ مرفقًا للدولة، رأيته أوّل مرّة بعد افتتاحه، ثم عدتُ إليه بعد أشهر، إلاَّ وحزنتُ لما وصل إليه من سوء الاستعمال، وعدم العناية به مع عدم الصيانة! فالناس في وطني -إلاَّ القليل النادر- لا يهتمّون بهذه المرافق، التي أُنفق عليها الكثير من ثمرة ثروة هذه البلاد، والتي هي في الحقيقة ملك لهم، ولخدمتهم، حتى المستشفيات ما أن يمضي على إنشاء المستشفى سنة إلاَّ وأنت إذا زرته ترثي لحاله، فكل آلة فيه إمّا متوقّفة عن العمل؛ لعدم الصيانة، ولعدم توافر قطع الإصلاح، بل وحينًا لعدم توفر الأيدي الماهرة المتدربة لتشغيلها، والمواطن إذا حلَّ ضيفًا على المستشفى، لم يسلم من عبثه سريرٌ، أو خزانةُ ملابس، أو حتّى ما يجاور سريره ممّا يضع عليه أغراضه، وفي أدراجه ما يهتم به، وإن لم تمتد يده إلى ما جاور السرير في الآلات الطبية، بل تجد كتابة الأسماء للذكرى على الجدران، وعبارات تبادل العواطف، وكلّما جدد المبنى أعادته الأيدي الآثمة إلى الحالة الأسوأ، وكذا المدارس، التي لو تجوّلت في كثير منها لعلمت أننا لا نؤدّب أولادنا، ولا نعلّمهم السلوك الإنساني الراقي، وانظروا إلى إداراتنا الحكومية، وما تعانيه جلّها من الإساءات المتوالية لمبانيها، ثم إلى فقدان الاهتمام بها وصيانتها، وهذا السلوك من أعداد كبيرة من مواطنينا، الذين لا يهتمون لكلِّ شيء هو إنّما صنع لخدمتهم، وللارتقاء بحياتهم، هو سلوك نراه أيضًا في فوضى تعاملنا الذي يسوده الكثير من السوء، والإساءة إلى بعضنا، وكذا عندما يثار الجدل بين مواطنينا، والذي يسوده الكثير من العنف اللفظي من السباب، والشتائم، وتبادل التُّهم من العيار الثقيل، التي تتصاعد حتى يخرج بعضنا بعضًا من الملة، ومنه هذا السلوك الأسوأ في تعامل الموظفين مع إخوانهم المواطنين، من عدم قضاء الأعمال الموكلة إليهم لمصلحة هؤلاء المواطنين، الذين تتعطّل مصالحهم كثيرًا لغياب هذا الموظف، أو ذاك، أو تعنّته روتينيًّا؛ ممّا يجعل كلاً منهما متحفزًا للآخر، وتسمع شكاواهم من بعضهم في مجالسهم، وداخل وخارج دوائرهم الحكومية، وعندنا أيضًا في القطاع الخاص مثل هذا وأكثر، وأخيرًا فلننظر إلى شوارعنا وما تعانيه، وطرقنا العامة وما يجري عليها، وابحث عن زراعتنا ومصانعنا لتعرف أن سلوكًا عدوانيًّا ينمو داخل الكثيرين من مواطنينا -صغارًا وكبارًا-.
ولابد -إذن- من أن يكون لنا خطة لنشر الوعي بين مواطنينا أن المرافق العامة هي ملك خاص لهم، يجب أن يحافظوا عليه، وأن يصاحب التوعية نظام يعاقب المستهترين بالمرافق العامة، فإنا إن فعلنا ارتقينا بالحياة في وطننا إلى مصاف البلدان التي إذا زرناها امتلأنا إعجابًا لتطوّرها وحداثتها. فهل نحن فاعلون؟ هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: