لعل مصطلح «النخبة» كان يعني في ماضي العرب، في عهد النهضة الأول، حينما استيقظ العرب على أن حقوقهم قد ضاعت، وأن سائر بلدانهم قد استعمرت، فسعى العقلاء منهم من المتعلمين الذين نالوا من المعرفة قسطًا وافرًا، ومن الثقافة قدرًا واسعًا في كافة المجالات، وارتقوا بفهمهم لوقائع الحياة، فعملوا وفق مبادئ سامية على أن يوعُّوا سائر مواطنيهم بما لهم من حقوق، وما عليهم للأوطان من واجبات تؤدي للنهوض بها إلى مصاف الأمم التي تقدمت، فكانت تلك النخبة أفرادًا متميزين في مجتمعاتهم، كلماتهم مسموعة، وهم قادة في أوطانهم من أجل العمل لرفعة تلك الأوطان، وتحريرها من كل ما يعيق تقدمها، وكان منهم عدد لا بأس به في سائر أوطان العرب، وتواصلوا فيما بينهم، حتى أصبح تقديرهم في سائر أوطان العرب التي سعت إلى النهوض آنذاك، وكانت في ذلك الحين مصر في القلب من تلك الأوطان، تمدها بالنماذج الرائعة من تلك النخب، والذين يفخر بهم العرب حتى يوم الناس هذا، وبعد ما نال بعض الأقطار العربية من فوضى ما سمي زورًا الربيع العربي، وهو زمن مظلم، لم نر فيه أزهارًا تتفتح من هذه النخب لتدرأ عن الأوطان الأخطار التي أحاطت بها من كل جانب من أعداء حقيقيين، بعضهم يريد القضاء على الأمة العربية حتى وإن تفرقت أوطانًا إلا أن مبادئ وقيم كثيرة تجمعها، فسعى إلى تفتيت تلك الأقطار وتجزئتها أكثر، فرأينا العراق أجزاء متفرقة، على أسس عرقية؛ أكراد وعرب، وطائفية؛ سنة وشيعة، وحتى اليوم لا يزال التقسيم له هو السائد، وتقسم آخر لأقاليم ثلاثة في ليبيا، وأعان العدو الخارجي عدو داخلي متربص، يدعمه العدو الخارجي ويوجهه، وأصبح يحارب كل جهد يُبذل لضم مصالح بلدين عربيين إلى بعضهما لتحقيق مستقبل لهما يتجنب هذا التقسيم وأخطاره، وكمثال ما تم مؤخرًا بين مصر والسعودية من الاتفاق على مشاريع اقتصادية وسياسية وعسكرية تنهض بهما، وتدرأ عنهما الخطر، بل ويكون في اتفاقهما درء لأخطار تتربص بباقي الأوطان العربية، فإذا بنا نسمع مما تسمى نخبًا زورًا محاولات يائسة لإيقاف مشروع هذا الاتفاق بين البلدين، بدعاوى زائفة لا أساس لها، بل وإغراء عداوة بين شعبين رسخت المحبة بينهما قرونًا، والغريب أن هؤلاء الذين يدّعون أنهم من النخبة لا يملكون معلومات صحيحة عن كل ما يتحدثون عنه، والسيادة على جزيرتي صنافير وتيران، والتي لم يعلم الكثير منهم بوجودها إلا عندما سمعوا اسميهما عبر بيانات الاتفاقات بين البلدين، وسمعنا من يتحدث عنهما بما لا حقيقة له أصلًا، وبما لم يكن مكتوبًا في وثائق البلدين، وما الغاية سوى أنه يتمنى لو لم يتم التقارب بين البلدين، وألا يتم تحقيق منافع لكليهما من هذه العلاقة الممتدة عبر الزمان، لأنه يحمل في نفسه ألوانًا من الحقد على كليهما، فهو وإن انتمى لأمة العرب، إلا أنه في الحقيقة يحمل أجندات لغيرهما، ورغم أننا نعتقد أن مثل هؤلاء لن ينجحوا في مساعيهم المشبوهة إلا أننا نأسى لوجودهم في أوطاننا ودعوى انتسابهم إلى أمتنا العربية التي قررت دولتينا -مصر والسعودية- إعادة اللحمة بين بلدانها بحيث تكون كتلة واحدة تدفع عنها الأخطار بقوة، وقد سمعت لمذيع هزيل العبارة حتى أني لم أسمعه قط يتحدث باللغة العربية الفصحى، يعدد مواقف له من السعودية لا علاقة لها بالواقع، وهي لا تضر بلدنا الغالي كما لا تضر مصرنا الغالية، فالعلاقة التي بنيت بين بلدينا عبر الزمان لا يستطيع أحد أن يهدمها لمجرد الرغبة الآثمة في التفريق بين شعبين امتزجا وشدت أواصر العلاقة بينهما علاقات أسرية وعلاقات محبة ومودة لم يستطع أحد أن يخل بها عبر السنين، منذ وجدت الدولتان في عصرهما الحديث أبدًا، لأن رغبتهما معًا أن تقوي إحداهما الأخرى، والأصوات النشاز مهما تطاول أصحابها، فمصيرها الفشل حتمًا، فنصيحتنا لهؤلاء أن يعودوا عن ضلالهم لمصلحتهم لا لمصلحة الدولتين والشعبين، فهما في غير حاجة إليهم مهما ارتفعت أصواتهم، فليحذروا، فالكذب لا محالة مكشوف، والباطل لا محالة زاهق، فهل يدركون ذلك؟ هو ما نرجو، والله ولي التوفيق.