لا شك أننا جميعا في هذا الوطن حريصون كل الحرص على ألا يشوه أحد في الداخل او الخارج الساحة العلمية الدينية او كما يحلو للبعض أن ينعتها “بالشرعية” بما فيها من متخصصين في العلوم الدينية الأساسية والفرعية، خاصة وأن بلادنا هي منشأ العلم الديني الإسلامي، فقد انبعث النور من فوق ترابها وحمله أجدادنا إلى سائر أقطار الأرض مبشرين به وداعين إليه.
فحينما تتناقل وسائل الإعلام هذا المقطع الذي ينكر فيه من له سمت العلماء في الظاهر حقيقة علمية لم يعد أحد في هذا العالم يجهلها وهي كروية الأرض ودورانها حول الشمس، فيكرر أقوالاً ثبت بطلانها من أن الأرض ثابتة والشمس هي التي تدور حولها، مدعياً أن هذا وفق مقتضى النصوص ومقتضى العقل، ثم يهرف بما لا يعرف فيظن أنه إذا ركب الطائرة من الشارقة قاصداً الصين، فالصين مادامت الأرض تدور فالصين ستأتيه ولا داعي إلى أن يذهب إليها، ثم ان حقيقة ان البيت المعمور في السماء السابعة وانه لو سقط لسقط على الكعبة، وهذه الحقيقة بزعمه ستغيب مادامت الارض تتحرك ، بل وانكر ان الانسان وصل الى القمر، وزعم أن عنده وعند من يقول بقوله نظريات تفوق هذه النظريات فلم يفرق بين النظرية والحقيقة الثابتة، واشتعلت السخرية بنا على اعتبار ان هذا يمثل علماء الدين المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقبل أيام كنت في إحدى المكتبات المتخصصة في المطبوعات الدينية فلفت نظري كتاب جميل الطبع على ورق صقيل والكتابة ملونة وصلت عدد صفحاته مع الفهرس 487 صفحة في طبعته الثانية الصادرة في عام 1431هـ ويحمل عنوان “حقيقة كرة القدم : دراسة شرعية من خلال فقه الواقع ، وراجعه وقرظه شيخ وصف بالعلامة في عام 1429 معرفاً بنفسه بأنه عضو إفتاء متقاعد.
والكتاب يبدأ بعبارة جازمة بأن كرة القدم أصلها : وثني يوناني، ونشرها بين المسلمين نصراني صليبي (هكذا) وتطريقها إلى العالم يهودي عالمي .. فهل من مدكر؟!
وقد بدأ الكتاب بباب بعنوان “تنابيه مهمة وفيه فصول خمسة فصله الاول مدخل، والثاني تحدث عن اسباب انتشار البدع الفكرية باعتباره كرة القدم منها، متحدثا عن الطواغيت التي أفسدت الدين ومنها هذه اللعبة، ثم تحدث عن خطورة السكوت عن المنكرات الظاهرة ثم اهمية فقه الواقع في حكم النوازل، وفي الفصل الخامس تحدث عن اعمال قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد.
وفي الباب الثاني : أحكام الالعاب الرياضية وفيه فصول – معرفاً لها ومبيناً الفرق بين الكرة القديمة والحديثة ثم مشروعية اللعب في الاسلام، وأقسام الألعاب وحكم كل قسم، ثم حكم الالعاب المباحة، وفي الباب الثالث تحدث عن تاريخ الالعاب الرياضية واخيراً في الباب الرابع وهو لب الكتاب تحدث عن واحد واربعين محظوراً للعبة كرة القدم يجعلها من كبائر الذنوب ويحرمها تحريماً قطعياً من وجهة نظره، وساق ما يعتبره شبهاً لاباحتها ورد عليها.
وقد جهد الرجل في جعل كرة القدم خطراً عظيماً على الامة ندب نفسه لبيانه وتحذير المسلمين من ان يأمنوه وأنا أعلم أن هناك فتاوى بتحريمها من قبل تقوم على أساسها ما يتصور أنها تؤدي اليه من ضياع الوقت، خاصة أوقات الصلاة، وما ينكشف فيها من العورات كما يقولون ، ولكني لم أجد هذا القطع بالتحريم، وكأني بالرجل يحمل كرة القدم كل الآثام والذنوب.
ثم إن الكتاب ليس فيه ما يدل على أنه أجيز نشره رسمياً، وهذه الكتب التي تغفل من أجاز نشرها اصبحت تتكاثر وكأن المطابع في البلاد لا رقابة عليها أصلا وأن كل من أراد نشر فكر مهما كان خطره يمكنه ان يفعل، وهذا كما هو تشويه متعمد للساحة العلمية في بلادنا هو ايضا تشويه لجهود المتخصصين في العلوم الشرعية بنشر مثل هذا الذي يعمد فيه صاحبه الى التحريم لما هو مباح في الاصل بل ويجعله جريمة خطيرة ، نسأل الله أن يحمي هذا الوطن من كل تطرف من أي لون كان.