لا شك أن الخبر الصحفي إذا لم يعتمد على معلومات صحيحة ولا مصدر موثوق له، فانه لا يصبح حينئذ خبرًا، فقد يكون مجرد رأي لكاتبه يقوله في ما هو ليس من اختصاصه، ولم يطلب منه إبداء الرأي فيه، أو أن يكون مجرد إشاعة تتردد يصوغ منها المخبر خبرًا ينشره في صحيفته فيزيدها انتشارًا، وأظن أن بعض الصحف حتى اليوم لم تضع معايير للخبر الذي تنشره، ولم تؤاخذ قط مخبريها على ما نقلوا من أخبار واتضح أنها غير صحيحة، ولعل الكاتب اليوم إذا قرأ في بعض الصحف خبرًا لا يستطيع ان يجزم بصحته، ويخشى إن علق عليه أن يكتشف عما قليل عدم صحته، كما حدث هذا مرارًا، وخاصة إذا كان الخبر يتعلق بإدارات وأجهزة حكومية، هي في العادة تنفي كل خبر ينشر عن أي قصور في أدائها، بل وتكذب كل خبر ينشر عنها ترى أنه في غير مصلحتها، أم لم يكن واردًا من إدارات العلاقات العامة فيها، ويصبح الناس في حيرة مما ينشر عبر وسائل الإعلام، والذي لا يجد له في الغالب صدى لدى الأجهزة الحكومية، إلا إذا كان نفيًا عن كل ما يصدر عنها، أو دعوى إساءة فهم لكل ما صدر عنها، وأحيانًا نجد خبرًا منقوصًا، يذكر طرفًا من معلومة ويخفي سائرها، لأن المخبر الذي كتبها لا يستطيع أن يصرح بكل ما عرف خشية أن تكذبه الجهة التي نشر عنها الخبر.
وأنا لا أدري ما تصنع أقسام الإعلام في جامعاتنا لإعداد كوادر للصحافة مؤهلة تستطيع أن تحافظ على صحة الأخبار عبر معايير علمية ثابتة، لا تدخلها اجتهادات العاملين في الصحافة خاصة في أقسام الأخبار، ولست أدري إن كانت الصحف تختار مخبريها على أسس علمية بحيث تختار المخبر وفق معايير خاصة تجعل منه قادرًا على تمحيص المعلومات واختبار صدقها ومن ثم توثيقها من مصادرها، أم أن الأمر متروك للمخبر أيًا كانت صفته ومؤهلاته، لينقل إلينا أخبارًا لم يدققها ولم يعرضها على المقاييس العالمية لنقل الأخبار ولا أدري إن كانت مؤسساتنا الصحفية تعنى باختيار دقيق لمخبريها وتأهيلهم بالتدريب على ما سيقومون به من عمل، أم أن الأمر لا يزيد على كونه يجري كما تجري أمورنا كلها بلا دراسة ولا بحث، وحينما تطالع خبرًا أو تسمعه عبر إذاعة أو تليفزيون أو صحيفة، وأنت تظن أنه صحيح، ثم يتضح لك بعد ذلك عدم صحته وأنه لم يقع أصلاً، إما لتعجُل مَنْ نقله ولم يتأكد منه، أو حرص على سرعة نشره توقًا إلى سبق صحفي وهو لم يتأكد منه بعد، أو يكون خبرًا مناقضًا للواقع يدرك كل الناس ذلك، إما لأنه ينسب عملاً جليلاً لمن لم يقم به، أو يتحدث عن توفير شيء من الخدمات لم يتوفر للناس قط، وهم يعلمون ذلك يقينًا، أو خبرًا بإنفاق أموالاً طائلة على شيء من الخدمات أو المشروعات وهو لم يحدث، فهل يثق الناس بعد هذا ممن نشر هذه الأخبار أو أشاعها، والناس يعلمون يقينًا أنها غير صحيحة.
من أجل هذا فإننا نطرح على إخوتنا العاملين في وسائل إعلامنا وأهمها الصحافة أن يراجعوا بعناية مبادئ وآليات العمل الإعلامي كله وأن يضعوا له المعايير المتفق عليها، التي ترتقي بأدائه حتى يكون فعلاً أداة صنع رأي عام مستنير، وأداة مراقبة دقيقة تشهد بالحق في سائر قضايا الوطن، وتشير بجرأة إلى الأخطاء وتقترح الوسائل لإزالتها، وترى الفساد بعين فاحصة وترشد إلى مواطنه، وتساعد المسؤولين على القضاء عليه، تلك وظيفة الإعلام في سائر أرجاء العالم، ويجب أن تكون كذلك في أوطاننا، فهل يفعلون ذلك ما نرجو والله ولي التوفيق.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …