يظل بعض الناس يتجرأ على علم الدين، وإن لم يكن له به علم، ولا يترك مناسبة حتى يصدم قارئيه بأفكار بعيدة كل البعد عما يريد إثباته، فهو يرى مثلا أن العلمانية والإسلام لا يتصادمان، بل لعله يرى العلمانية جذرا في الإسلام، ولعله قد أعياه البحث عن هذا الجذر، خاصة وأن كل ما تُعرف به العلمانية لا يمكنه أن ينسجم مع هذا الدين الحنيف، الذي بُعث به سيدنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأمرنا باتباعه، فقال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ)، ويأمر ربنا رسوله – صلى الله عليه وسلم – أن يقول: (قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، وإنما نزلت هذه الشريعة لتكون منهج حياة للمسلمين لا يخرجون عنها قيد أنملة، وإن دعا بعضهم الهوى للوقوف منها موقفا مغايرا، ومهما بحثنا للعلمانية عن معنى فلن يساعدنا على أن تكون مقبولة دينياً، سواء أنسبناها إلى الدنيوية، والتي جعلت الكثيرين يقولون عنها: إنها فصل عن الحياة بما فيها الحكم والقضاء، أو قلنا إنها منسوبة إلى العلم وهو عند أهلها علوم الدنيا، مما لا يمكن أن تحل محل علم الدين أو الشرع، والمدندنون اليوم حول العلمانية أتعبوا أنفسهم أن يجدوا للعلمانية صلة بالإسلام وعجزوا، ولكن صاحبنا -عفا الله عني وعنه- وجد في موقف لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، فأراد أن يجعله مؤسساً لجذر العلمانية، رغم أنه أضفى عليه لقب إمام السلف، وحاول أن يقوّل الإمام أحمد -رحمه الله- ما لم يقله ولن يقوله أبدا (إن طاعة ولي الأمر حتى مع وجود الكفر)، مع أن مذهب الإمام أحمد في الإمامة ولا شك يشترط -كباقي إخوانه الأئمة المجتهدين- في الإمام أو الخليفة أن يكون مسلما غير مبتدع، وجزما لا يصح في مذاهبهم أن يولي على المسلمين كافر أبدا، فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ثم يبشرنا سامحه الله، أننا أمام موقف من القرن الثالث الهجري يفصل الدين ومقتضياته عن السياسة والدولة، وهو موقف يمكن القول إنه يعكس صيغة علمانية إسلامية مبكرة، يعبر كما زعم عما تمتاز به المدرسة السلفية بمرونة فقهية سياسية تتساكن مع تشدد عقدي، وإزاء فكر كهذا بعيد عن واقع المدرسة السلفية وعن ما نعرفه من علم إمامنا أحمد بن حنبل المحدث الفقيه الإمام، ونعتذر إليه مما نسب إليه مما نعلم حقا أنه لا يرضاه، فاللهم اهدنا لما تحب وترضى من القول في دينك بعلم، وصلِّ الله وسلم على سيدنا رسول الله.