هذه الجماعة ظلت منذ إنشائها تُخطط للوصول إلى الحكم, فقد مضى عليها أكثر من ثمانية عقود تسعى لذلك ولم تنجح.. ولما نجحت عبر هذه الثورات أثبتت سوءها
إن إطلاق مسميات على الأحداث في دنيا العرب, والتي قد تصبح مع مرور الزمن مصطلحات تتردد في بعض الأدبيات تأتي بضد ما أرادها مطلقوها, فعند منتصف القرن الميلادي الماضي أطلقنا على حركة التحرر العربي عصر النهضة, ولم نر للنهضة أثرًا, كما أن التحرر كان شكليًا, فقد خرج الاستعمار من جل بلداننا العربية ولكنه خرج من الباب ليعود من ناحية ثانية في ربط البلد الذي خرج منه في تبعية اقتصادية وسياسية أثرها أكثر ضررًا من الاستعمار العسكري, ولما أعلن في كثير من بلداننا عن صحوة إسلامية تعني العودة إلى محاسن هذا الدين الحنيف «الإسلام» فإذا ما أسميناه صحوة ينقلب إلى غفوة طال أمدها, وإذ بنا نعود إلى أسوأ أزمان تاريخنا, وها نحن اليوم نطلق على ثورات عربية في عدد من أوطان العرب أسمينا الأحداث (ربيعًا), ولكن الزمن مضى بهذه الأحداث لتتحول إلى خريف انتهى ببعض هذه البلدان إلى فوضى عارمة, وكادت تنقلب هذه الثورات إلى حروب أهلية, ولم يكتمل لأي منها استقرار بعد هذه الثورات, مما لا يحتاج أبدًا إلى دليل, فهذه مصر وتونس وليبيا حتى اللحظة لم تستقر الأوضاع فيها بعد ثوراتها, أما سوريا فلها حديث آخر, وقد يقول قائل: إن ما يحدث وراءه أيد أجنبية تحركه, وقد يكون هذا الأمر صحيحًا, ولكن المسؤول الأول عن هذه الأحداث هو أبناء كل بلد على حدة, لأن الجميع ظن أن الحرية تعني هذه الفوضى الضاربة في أعماق هذه المجتمعات, فكل يريد أن يحقق ما يريد دون النظر إلى الآخرين, أفرادًا أو جماعات, وما إن تعمق النظر فيما يجري تجد أن التنوع والتعدد الذي هو فضيلة مؤثرة في المجتمعات الإنسانية تتحول عندنا إلى عامل فرقة, فوجود تيارات دينية أو سياسية كما هي في جل المجتمعات البشرية ولا تؤدي إلى اختلاف مؤسس للكراهية والبغضاء, وهي عندنا في بلاد العرب لا وظيفة لها سوى إشاعتها, نعم قد يكون تيار ديني متشدد, أشد ضررًا من غيره, إلا أن التيارات الأخرى لا تسلم من لون من الغلو والتشدد في أفكارها مما أدى إلى عدم التلاقي على لون من المشتركات التي تستمر بها الحياة, وإذا استمر الأمر على ما هو عليه, فقد يورث ذلك عدم استقرار طويل, لا يتحقق للشعوب حينئذ الكثير مما كانت تطمح إليه قبل هذه الثورات من عدل ومساواة وديمقراطية تؤسس للحقوق والحريات, بل وقد تتعدد الثورات كلما قامت ثورة ولم تؤد إلى ما يرغبه الناس, سعى الناس إلى ثورة جديدة, لتنهك في نهاية الأمر البلاد والعباد, وما يحدث اليوم في مصر قد يكون مؤشرًا, رغم أن هذه الثورة الثانية كادت أن تكون ضرورة لما حدث أثناء الثورة الأولى التي انحرفت عن مسارها وآلت السلطة إلى هواة لم يحسنوا التعامل مع الشعب مما أدى سخط عام عليهم, وانتهى الأمر بخروجهم من السلطة, ليشعلوا بعد ذلك النيران في الوطن اعتداء على الأرواح والممتلكات وكل مؤسسات الدولة, ولا يزال الاضطراب يفتك باستقرار مصر حتى اليوم, والأمر الغريب أن كل هذا يجير بألسنة هؤلاء إلى أنه دفاع عن الإسلام, والأشد غرابة أن هؤلاء الهواة استطاعوا في غفلة من الشعوب الانقضاض على الثورات وإفراغها من محتواها, والاستيلاء على السلطة مع إقصاء الجميع, في مصر وتونس وأخيرًا تلحق بهما ليبيا, وقد تسنموا كراسي السلطة في اليمن زمنًا, وآل الحال في اليمن إلى ما ترون اليوم من هذه الفوضى التي لا تخطئها العين, وأسوأ أنواع الحكم في هذا العالم المستبدون, فإذا ألبسوا استبدادهم رداء الدين, وزعموا أنهم يحكمون بلدانهم باسمه, فالكارثة مقبلة ولاشك, فالحكم الذي يفارقه العدل أسوأ حكم وإن زعم من حكم أنه في طريق تطبيق شريعة الإسلام, وهذه الجماعة التي ظلت منذ إنشائها تخطط للوصول إلى الحكم, فقد مضى عليها أكثر من ثمانية عقود تسعى لذلك ولم تنجح, ولما نجحت عبر هذه الثورات أثبتت أنها أسوأ حاكم عرفته بلدان العرب, لذا يجب أن تحذر الشعوب أن يتسرب إليها اليأس لهذا السبب, وعلى تلك الدول أن تبدأ إصلاحًا حقيقيًا ترضى عنه شعوبها لتستمر الحياة ويبقى الاستقرار الذي من خلاله يمكن تحقيق الرقي والتقدم للأوطان, ومن ثم تحقيق العدل والمساواة بين الجميع في وطن لا يعبث به أعداء الحياة الذين عشقوا الموت, وجعلوه لهم حرفة وأعدوا له المقاتلين ليعبثوا بأوطاننا العربية, وفي ركاب الموت تموت الأوطان, ويطمع فيها كل من يخطط عبر الزمان لهزيمة الدين والأمة, ولن يستطيع هؤلاء أن يخدعوا الشعوب, التي عليها أن تكون يقظة تفشل كل ممشروعاتهم الدنيئة, هو ما نرجو والله ولي التوفيق.