هؤلاء لا يدركون أنها أثمان لما لم يحل بيعه من وعظ وذكر وتلاوة ودعوة الناس إلى الخير
تتغير الأزمان فيتغير بتغيرها الأعراف والعادات, فحينما كان الوعاظ يبتغون بوعظهم هداية المسلمين إلى الخير, يحثونهم على الطاعات ويحسنونها لهم, وينفرونهم من المعاصي, ويجعلونها أقبح ما يقدم عليه المسلم من الأقوال والأفعال, غايتهم أن تطمئن قلوبهم بذكر الله, وتلاوة القرآن الكريم, والصلاة, والصيام, والحج, والمعاملات الحسنة فيما بينهم, والأخلاق الفاضلة تكون لهم ديدنا فتشيع بين الناس السعادة, ويتواصلون بخير ما يتواصل به البشر, وإطار هذا كله الدين, أما إذا انقلب الوعظ إلى قصص كاذبة يرويها صاحبها وهو يعلم أنها كذب صريح, ودعواه لاستحلالها أنه بها يرقق قلوب الناس, كما كان يفعل القصاصون في الماضي حينما كانوا يضعون الحديث لينفروا به عن معصية أو ليحثوا على طاعة, وإذا قيل لهم إن من يكذب على رسول الله عقوبته عظيمة حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) قالوا, نحن لا نكذب عليه بل نكذب له, وامتلأت الأسفار بكذبهم الصريح وتتبعه العلماء ليبطلوه, ولعله شاع في عصرنا الكذب في القصص التي تصور ما نال العاصي في نظر من زورها حين نزوله إلى قبره, وتغير لونه وهو على المغسل مما نسمع منه الكثير ولو حققت فيه لما وجدت له حقيقة, فسيقول لك من يرويه أنه يرويه عن غيره, وغيره يرويه عن غيره, ولا نهاية لسلسلة الكذب, ومن ستره الله حال حياته, فلن يكشف سره حين مماته, وله أسرة يركبها العار إن صرح باسمه, والكذب من الكبائر العظام, أليس هو ما يهدي إلى الفجور الذي يقود إلى النار ولكنهم لا يفقهون؟ ! هذه حالة, والأخرى أن يبحث بمثل هذا عن شهرة تنال الواعظ, ألم يجر الدمع من المآقي بما كذب به على الله, وجعل الناس يتحدثون بسيرته, مع ما يسعى به عبر الإعلام الذي يشتمه ويسبه كل يوم, وهو يسعى به وإليه ليصنع منه نجما, ليقدم برنامجا دينيا ليس فيه إلا مثل هذا القصص, والآيات الكريمة والأحاديث ما صح منها وما وهن سنده, أو لم يقبل متنه, ما دام يحقق الغايات له, فيفرض سعرا لموعظته يبلغ الآلاف, بل يبلغ مئات الألوف في العام, ويصبح ظهوره في ندوة, أو في محاضرة غالي الثمن, وإذا الرصيد في البنك يرتفع رغم محاربته للبنوك الربوية كما يزعم, وهكذا ترى إقدام البعض على تزوير عدد المتابعين له في تويتر أو الفيسبوك ليصبح نجما تشترى سلعته بأبهظ الأثمان, ولا يهتز له طرف أنه كذب أو زور, وتجد من هذا اللون من الوعاظ أو من يسمون أنفسهم دعاة في هذا الزمن, الذي يزداد انتشار الزيف فيه, يشترون الاتباع الذين يخطط أن, يظهروا في كل مكان وجد فيه المتبوع, ليرسخوا له مكانة ليس هو أهلا لها أصلا, فكم علم الناس عنه المتناقضات, بل بلغ الأمر حد أن تباع التلاوة على المعجبين بها على شكل أشرطة وسيديهات, وأن يخصص لها عبر الاتصالات أرقام تشترى منها, لتكون نغمات تتردد كلما جاءت مكاملة لصاحب التلفون فيقطع القرآن لا تتم فيه آية, وكل هذه صورة مستحدثة من تسليع كل ما هو محبب من الدين ذكرا لله وتلاوة ودعاء وموعظة, دون أن يتحرج من يفعل هذا, وقد يحتج بأن القرآن يؤخذ على تعليمه والرقية به أجر, ولم يعلم أن حتى هذا فيه بين العلماء اختلاف, وعنده لكل طاعة ثمن, وإنما يبذل كل هذا هداية لعباد الله وتقربا منه, لا يحدد داعٍ أو واعظٍ إليه إلا أنه يبتغي بهذا الأجر والمثوبة على عمله الصالح من الله عز وجل, ولا يخلطه بأغراض دنيوية قد تقوده إلى معصية, فإذا أضفت إلى ذلك ما تخلق به بعض هؤلاء من سوء خلق, وسوء معاملة للناس, وتسمع منهم اللفظ البذيء يتردد على المنابر لكل مختلف معهم على رؤية واجتهاد, ويحرضون لهم, أتباعا على تتبع كل مخلص لدينه, يتمنى أن يخلصوا لله مثله, وألا يلبسوا حقا بباطل وهم ينشرون بين الناس كثيرا من الزيف, ويبيعون لهم الأوهام, ويعودوا إلى إتباع السلف الصالح, الذين لم تكن الدنيا أكبر همهم, بل هداية الخلق ونفعهم, وقل بينهم وهو عالم يدعو الناس إلى دين الله من كان ثريا كهؤلاء الذين يكدسون الملايين في البنوك, وهم لا يدركون أنها أثمان لما لم يحل بيعه من وعظ وذكر وتلاوة ودعوة الناس إلى الخير, نسأل الله لهم الهداية, وأن يعودوا إلى الطريق الذي يوصلهم إلى الله, فذاك ما نرجو لنا ولهم, والله ولي التوفيق.