ولآل البيت حقوق على الأمة أهمها أن يحبوهم لمحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يرعوا الله فيهم فلا يؤذوهم، بل يحسنون إليهم
قضية الأنساب والحديث عنها قد يستفز بعض الخلق، لأنه يظن أن حفظها ومراعاتها إنما هو للفخر بها أو لمجرد التعالي بها على الخلق، وليس ذلك غاية الشريعة عندما أمرت بحفظها، فقضية الانتماء إلى نسب معين إنما هي لغاية التعارف بين الناس أليس ربنا يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وقال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر) وفي الحديث الصحيح المتفق عليه عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم انه غير ابيه فالجنة عليه حرام”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فهو كفر)، وعن يزيد بن شريك بن طارق قال: رأيت عليًا رضي الله عنه على المنبر يقول: (من ادعى الى غير ابيه او انتمى الى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا.
فحفظ الانساب ضرورة انسانية لا يقول احد انها غير مهمة، وانها تنقطع بمضي الزمن، الا ان كان لا يعرف شرع الله ومقاصده، ولذا حرم الشرع الطعن في الانساب، ويدل له قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)، وفي صحيح مسلم قوله -صلى الله عليه وسلم-: (اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت)، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا للنبي صلى الله عليه وسلم (كفر من تبرأ من نسبه وإن دق أو ادعى نسبًا لا يعرف).
ولذلك اهتم المسلمون عبر عصورهم بالانساب وحفظوها، وكان بينهم من هو عالم بها يرجع اليه فيها، فقد كان سدينا ابو بكر الصديق خليفة سيدنا رسول الله في علم النسب بالمقام الارفع والجانب الاعلى، ولعل هذا دليل على عظم وشرف هذا العلم وجلالة قدره.
وقد اهتم المحدثون بترجمة الرواة ومعرفة انسابهم، وعلم تاريخ الرجال شاهد على ذلك وعلى علم الانساب تترتب الكثير من الاحكام الشرعية، فعلى معرفة النسب يعتمد علم المواريث، وحفظ النسل وعدم اختلاطه ايضًا يعتمد على ذلك، وعلى نوع خاص من البشر تترتب على انسابهم حقوق وهم آل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيهم ربنا عز وجل: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) ، وفي الحديث الصحيح ان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام في اصحابه خطيبًا بماء يدعى خم بين مكة والمدينة فحمد الله واثنى عليه، ووعظ وذكر ثم قال: (أما بعد: الا ايها الناس فإنما انا بشر يوشك ان يأتي رسول ربي فاجيب، وانا تارك فيكم ثقلين اولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: واهل بيتي اذكركم الله في اهل بيتي اذكركم الله في اهل بيتي) لذا كان المسلمون يصرفون محبتهم لآل بيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- على مر العصور، بل ويتجاوزون عن المسيء منهم تكرمة لسيدي رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن ابي بكر الصديق رضي الله عنه موقوفًا: (ارقبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في اهل بيته).
ولآل البيت حقوق على الأمة أهمها ان يحبوهم لمحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وان يرعوا الله فيهم فلا يؤذوهم، بل يحسنون اليهم، وقد رأينا مراقبة الله في اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم – التي دعا اليها سيدنا ابو بكر الصديق على مر العصور من اهل الايمان والطاعة واهل العلم حبًا واحترامًا. حتى رأينا الفقير منهم غنيًا بما يصله من المحبين.
واعظم الاذى لهم التشكيك في انسابهم دون علم، او الادعاء انه لم يبق منهم احد في هذا الزمان لطول الزمان بينهم وبين زمن رسول الله، وهو امر يدل على جهل فمن قال ذلك ينتسب الى زمن من ذاك الزمان اقدم، ولم يقل ان نسبه لا يصح.
وحتمًا ان الانتساب الى ال البيت اذا كان عن علم فهو حق، ولا يعني ان يتخذه صاحبه وسيلة للفخر والتطاول على الناس، والاصل ان ال بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محبتهم فرض واما اعتزاز المنتسب في نفسه بهذا النسب فمشروع، فسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح يقول: (ان الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم)، اللهم نسألك محبة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومحبة ال بيته لمحبتنا لله عز وجل الذي دعانا لذلك، وبمحبته نحبهم.