لا تزال أسرنا تعاني مع أولادها ذوي الاحتياجات الخاصة، وبخاصة أولئك المحتاجين لعناية خاصة صحية ونفسية، وليس لهم قدرة على توفيرها على حسابهم الخاص..
تنتظم كل دساتير الدنيا وقوانينها حقوقًا لذوي الاحتياجات الخاصة، ممن أنعم الله عليهم بالابتلاء فصبروا، سواء أكانوا قد فقدوا إحدى حواسهم كالبصر أو السمع أو أقعدوا ففقدوا الحركة الاختيارية للمشي أو غيره، وكلهم ولا شك لهم كامل الحقوق الإنسانية، بل حقوقهم تزيد لما وضعهم الابتلاء فيه، ولذا اهتمت الأمم المتحضرة بأن تسن من التشريعات ما يحفظ لهذه الفئة الكرامة الإنسانية والحقوق الإنسانية المشروعة، وترى هذه التشريعات في جوانب الحياة كافة، في التعليم والتدريب، والتوظيف، وفي المعاملة المتميزة في المؤسسات الطبية، وعند مراجعة الإدارات الحكومية، والخدمية منها خاصة، وأن يجد الواحد منهم في المواصلات العامة ما يلائم حالته الإنسانية، يجد في المطارات ما يسهل له سفره، ولا يجد من الصعوبات ما يجعله آخر المسافرين حصولًا على المساعدة، فيكون آخر من يصعد إلى الطائرة وآخرهم نزولًا منها، وحينما لا يسافر معه أحد، فلن يستطيع التغلب على المصاعب التي توضع في طريقه، لا اقول هذا مجردًا عن تجربة فقد خضعت فترة من الزمن للجلوس على كرسي متحرك بسبب ألم في ظهري اضطرني فيما بعد أن اخضع لعمليتين جراحيتين، وخلال ما قارب السنتين جربت ما يعانيه العاجزون عن المشي، مما جعلني اليوم اشعر بمأساة ذوي الاحتياجات في مجتمعنا، يحكم عليهم بالعزل شبه التام، فتصور من يستخدم كرسيا متحركًا كيف يمكنه أن يسير به في شوارعنا، التي تعرفون بكل ما فيها من عوائق، فالذي يحاول منهم الاعتماد على نفسه فيستخدم كرسيًا متحركًا بطاقة كهربائية مثلا، فلن يستطيع أن يسير بها لمسافة قصيرة، وعندما اضطرتني حالتي الصحية للسفر إلى دولة أوروبية شعرت كم نحن قد قصرنا في حق هذه الفئة فالشارع في تلك الدولة لهؤلاء مسار خاص لا يعرضهم أن يسيروا في طريق السيارات مثلًا، وكل الارصفة مراعى لهم فيها الصعود عليها والنزول منها، وفي المواصلات العامة لهم نصيب وطرق مبسطة للصعود اليها وبكراسيهم، والنزول منها دون صعوبة تذكر، وترى كل اصنافهم يحيون في مجتمعهم دون صعوبات، لا تجد منهم عاطلًا الا فيما ندر، فليس بينهم هو عالة على أسرته، بل لعل اصحاب الاعمال يفضلون ذوي الاحتياجات الخاصة لأنهم اكثر محافظة على العمل وانشط فيه، والقوانين تحميهم من تعسف أهل الاعمال، بل إن التفوق بين هذه الفئة نسبته مرتفعة، أما في بلادنا فنحن ننظر اليهم وكأنهم كم مهمل، بل إن القوانين في الدول المتحضرة تحميهم من الاساءة اليهم ولو كانت هذه الاساءة لا تزيد عن لفظ يحرجهم ويذكرهم بما اصيبوا به من قصور جسدي، اما هؤلاء الذين يعانون في حالات نفسية أو عقلية فليس لدينا اهتمام بهم، اصلًا، ولا يجدون العناية الطبية اللازمة لامثالهم، وقد تسوء احوالهم اذا لم يكن لدى أسرهم القدرة المالية التي تجعلهم يوالون العناية بهم صحيًا وخدميًا على حسابهم، فالاطفال المصابون بمرض التوحد وما يعتريهم من أمراض تعيقهم عن التفكير والاستيعاب، فالمعاهد المتخصصة في بلادنا لا تستوعب منهم إلا العدد القليل، وكذا فاقدوا النطق والسمع، فقصة ذوي الاحتياجات الخاصة بكل طوائفهم من فاقدي البصر والنطق والسمع والحركة وغيرهم قصة تطول، فرغم كل ما بذل من جهود لخدمة هذه الفئات إلا انهم لا يزالوا يشعرون بهذه الخدمة ترضيهم، ويعلمون بحال امثالهم في دول كثيرة قد نالوا من الحقوق ما يحلمون ببعضه، ولا تزال أسرنا تعاني مع اولادها ذوي الاحتياجات الخاصة، خاصة منهم من يحتاجون إلى عناية خاصة صحية ونفسية، وليس لهم القدرة على توفيرها على حسابهم الخاص، فالكلفة غالية الاثمان، وكثير من هذه الأسر متدنية الدخل، والقادرون على رعاية ابنائهم لا يزالون يرسلون ابنائهم إلى دول الجوار التي تتوفر فيها معاهد لهذه الفئة ويتكلفون الكثير في سبيل أن يؤهلوا ابناءهم للحياة، ونحن اليوم نتطلع إلى أن تتغير نظرتنا إلى هذه الفئة وأول ما نبدأ به أن نضع النظام الذي يوفر لهم حقوقهم وان نتوسع في انشاء المعاهد والمؤسسات التي تعنى به وتكفي اعدادهم بعد احصائها وان نعتني بحركتهم داخل المجتمع، ونمنع عنهم الاذى من التشفي بما هم عليه من ابتلاء، او يجرموا باللفظ او الايدي، فهذه حقوقهم علينا التي يجب أن نوفرها لهم مهما بذلنا من مالٍ او جهد في سبيل هذا، فهم من ابناء هذا الوطن الذي لهم الحقوق كافة، فهل نفعل ما ارجوه والله ولي التوفيق،