للمال في هذه الدنيا أثر، ولاشك قد يكون حميداً، إذا امتلكه الإنسان فكان في يده لا في قلبه، يتحكم فيه الإنسان، ولا يتحكم المال فيه، فالإنسان أداة الحصول عليه لينفقه في وجوه مشروعة تنهض بالإنسان ووطنه، لا أن يتحكم فيه المال ويقوده إلى ما لا تحمد عقباه، فربنا -عز وجل- يقول عن المال: (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)، وهو تحذير من الله -عز وجل- ألا يطغى الإنسان مالُه، فيقدم على الشرور؛ لظنه أنه بما امتلك من المال قادر أن يجعل الإنسانية كلها تطيعه، ولابد للإنسان أن يؤمن إيماناً تاماً أنه الفقير، وأن الله هو الغني، أليس ربنا يقول: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)، ومادام العبد يشعر بفقره وأن الله هو الغني، فلن يطغيه المال أبداً، لأنه حينئذ سيحس أن هذا المال في حقيقته مال الله، هو من رزقه به، فإذا صار إليه تصرف فيه وفق إرادة الله، ومن تصرف وفق إرادة الله، فلا يمكن أبداً أن يطغى بسبب المال، بل هو سيوجهه لما يحب ويرضى، فلا ينفقه فيما يصنع به شراً، أو يبذله لأحد ليظلم إنساناً، فالله لا يرضى أن يكون المال إلا سبباً في طاعة الله، فمن حصله ليتحكم به في الخلق، فيبذله رشوة لمن يظلم عباد الله، سواء أكان هذا فرداً أم جماعة أم دولاً، فهو حينئذ يغضب الله عليه، فيمحق بركة هذا المال، وقد يعود عليه بالشر أكثر من الخير، ومادام الإنسان يطغيه المال، فمآله حتماً إلى غير ما يتمنى، فكم من غني افتقر سريعاً؛ لأن ماله أطغاه فظلم وأنفق المال في غير وجوهه المشروعة، ولننظر حولنا لمن أطغاهم المال، سواء كانوا أفراداً أو جماعات أم دولاً، ولنتّبع أحوالهم، فسنعرف مآل طغيان المال ولاشك، فكم من دولة غنية افتقرت؛ لأنها استخدمت ما أنعم الله به عليها لظلم الناس، فعاقبها الله بما ظنت أنه وسيلتها للطغيان، فزال، وتردت في الهاوية، فالدول كالأفراد، إن طغت فالله لها بالمرصاد، كما أن الفرد إذا طغى سُلب ما سبَّب طغيانه، وإنا لنخشى على الإنسان أن نرد به طغيانه، فقد رأينا ذلك كثيراً، وكذلك الجماعات والدول، فالله بعدله يمنع الطغيان ويردي الطغاة، فالأمثلة على ذلك كثيرة لا يحصيها الحصر.