إذا كانت الفضائيات قد تكون تطوراً علميا له خطورته في عالمنا المعاصر إلا أنها عربياً لم تقدم لعالمنا العربي سوى الكثير من الأوهام، خاصة عندما تقدم الخبراء المزعومين والذين يحللون الأحداث أو يقدمون رؤى سياسية أو اقتصادية واجتماعية، والأمر الغريب جداً، أن هؤلاء الخبراء كثير منهم لا تعرف المجتمعات العربية عنهم شيئاً، بل إن كثيراً منهم لا يعرفه مواطنوه الذين يعيش بينهم ، وكثير منهم يفاجئك وهو يتحدث في السياسة ان تخصصه بعيد عن هذا المجال كلياً ويقحم نفسه فيه ، فتأتي تحليلاته فجة، وفي أحيان كثيرة مثيرة للضحك، وتجده رغم هذا يظهر يومياً على كثير من الفضائيات فهو بمجرد ظهوره على واحدة منها يجعل الاخريات من هذه الفضائيات تتسابق لاستضافته والغريب ان مثل هذا إذا أصغيت إليه وجدته يدعي الاطلاع على ما يزعم أنه خطة لدى هذه الدولة أو تلك, ويسرد أمورا هي ضد ما تتخذه الدولة التي يتحدث عنها في سياستها الخارجية واحياناً يتحدث عن مواقف جماعات ارهابية زاعماً العلم بفكرها وما تخطط له، ويفاجئك بان ما يتحدث به امر لا يعني تلك الجماعات من قريب أو بعيد.
وفكرة مراكز الدراسات الاستراتيجية استهوت كثيرا من هؤلاء الذين تنعتهم فضائياتنا العربيات بانهم خبراء واصبحوا يدعون انهم قد اعدوا دراسات في مجالات عدة كلها لا تمس تخصصاتهم وكثير منهم اليوم قد تقاعد من عمله الحكومي وليس لعمله هذا صلة بما يتحدث عنه اليوم، والمشكلة ان مثل هذا لا يخجل أبداً وهو يقدم الأوهام للناس عبر الفضائيات، مثله مثل ذاك الخبير الذي لم يدرس العسكرية في كلياتها ولم يمارسها في حروب واقعية ووصل إلى رتبته العسكرية عبر طول خدمته فقط، وصرف من الخدمة لهذا السبب وهو يدعي اليوم أنه الخبير الذي يستطيع تحليل الحروب ومواقف الجيوش في حال السلم.
ويستمر مسلسل الخبرات المزعومة على الفضائيات حتى كدنا نعتقد ان الخبرة إنما يكتسبها العاطلون عن العمل، والذين لا يجدون العمل لعدم كفاءتهم ولكنهم مع ذلك يجدون من يقدمهم للناس على أساس أنهم خبراء فيما فشلوا فيه في حياتهم الواقعية.
ومن مآسي الخبرات عبر الفضائيات ان تجد اليوم من يتحدث في الدين على بعض الفضائيات على اساس انه عالم وباحث فيه ، وهو لم يتعلم علوم الدين أصلاً البعيدة عن تخصصه وتستمع إليه ومهما كان إلمامك بالقضايا الدينية ستدرك فوراً انه يجدف، ويهرف بما لا يعرف يهتدي الى ذلك طالب الابتدائية في سنواته الأولى في المدارس الأزهرية ، بل وفي مدارسنا يستطيع أن يرد عليه طالب المرحلة المتوسطة الذي نال جرعة من العلوم الدينية في الفقه والحديث والتفسير وتلاوة القرآن ورغم أنه يقول : ما يضحك إلا أنه لا يخجل من نفسه، وإذا استمعت اليه بدقة وتدبرت ما يقول وهو يهاجم علماء الدين من لدن القرن الاول الهجري وحتى اليوم ستدرك انه لا يعاديهم وانما يرفض الدين كلية لانه يقف امام رغباته الآثمة.
إن الفضائيات التي اصبحت اليوم مصدر الكثيرين لتكوين ثقافة عصرية سموها ثقافة الصورة إلا أنها بلغتنا العربية وعبر فضائياتنا تبيعنا أوهاماً تجيء من رؤوس خربة لم يهذبها العلم، ولم تمتلئ بمعارف كافية لان يكون لها مشاركة في هذه الحياة المعاصرة وانا لفي انتظار ان تتحسن الأحوال وأن تدقق هذه الفضائيات فيما تقدمه لجمهورها من معارف لتحظى بالمكانة اللائقة بين وسائل الاعلام في هذا العصر ، فهل تفعل هو ما نرجو والله ولي التوفيق.