خطورة الاعتداء على المال العام

ننتظر أن تظهر وسائل جديدة لمتابعة من لهم صلة بالمال العام حتى نستطيع أن نحافظ عليه ونوجهه لخير مجالات العمل في الوطن

المال العام هو ما كان من الأموال مملوكًا للأمة أو الشعب وهو ما عاد إليها مما اعتبرت ملكيته عامة للناس فيها جميعًا، وأوضح صورة ما يعود للدولة من مصادر الثروة في باطن الأرض من نفط وغاز، وما تبع ذلك مما يصنع منهما وكذا الثروات المعدنية من ذهب وفضة وحديد، ونحاس وغير ذلك، وتعتبر الغابات ومساحات الأراضي البيضاء كل ذلك من الأموال العامة، والتي لا تمتلك ملكية خاصة إلا إذا دفع ثمنها المتملك ثمًا لها للخزينة العامة للدولة ويعتبر من المال العام ما تستوفيه الدولة من أفراد شعبها من زكوات أو رسوم أو ضرائب عند الحاجة، وكل ما يدخل إلى خزينة الدولة باجتهاد صحيح، وتتملكه السلطة العامة بموجب نيابتها عن شعبها أو أمتها، وحينئذ فكل ما يؤول إلى خزانة الدولة، فسلطة الدولة هي المسؤولة عنه مسؤولية تامة بموجب ما أقر الشرع أن (كلكم راع ومسؤول عن رعيته) وهو بذلك مقيد التصرف بما يعود على الشعب أو الأمة بنفع عام، ودون أن يخصه بأحد من الناس، إلا إن كان لذلك سبب مشروع، وحفظ هذه الأموال وتنميتها يعود للسلطة الحاكمة، بأن تتخذ الوسائل ما يحفظ هذه الأموال وينميها، لتستعملها في إنماء الحياة العامة للشعب وتوفير احتياجاته.
ولما كانت السلطة ممثلة في الجهاز التنفيذي للدولة هي من يناط بها ذلك كله، واختيار موظفيها مناط بها، بأن تختار لمن يشرف على تحصيل أموالها ثم إيداعها إلى خزائن الدولة، ومن ثم الإنفاق منها لصالح البلاد والعباد، وهم في موقع المسؤولية العامة، يحاسبون عليها ويشتد الحساب عليهم والعقوبة إن فرطوا في ذلك، أما إن اختلسوا منها شيئًا لصالح أنفسهم فالمحاسبة والعقوبة تشتد بالقدر الذي تكون رادعة لغيرهم ممن يلتحقون فيما بعد بالعمل، فالاعتداء على الأموال العامة من أفراد المواطنين أو من موظفي الحكومة خطير جدًا، فهذه الأموال هي التي بها تحيا الشعوب ثم تزدهر، فربنا عز وجل يقول: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)، ورغم أن الآية تشير إلى أن أموال الأفراد هي أموال للأمة، لأن نفعها يعود في النهاية إليهم، جعلها الله أموالًا للكل، فإذا عجز الفرد أن يتصرف فيها تصرفًا مسؤولًا، حُظر عليه التصرف فيها، وجُعل عليه ولي قيم، يتصرف فيها لمصلحته ويصرف على ما يحتاجه من النفقة على شؤون حياته.
لذا ظهر في الفقه الإسلامي باب الحجر وما يترتب عليه من تصرفات، فكيف بمن يلي مالًا عامًا ملكيته للأمة كلها، فإن أساء التصرف فيه عزل من منصبه وعوقب على فعله المتسبب في إضرار بالمال العام.
أما من يعتدي على المال العام من الأفراد فإن سرق منه شيئًا قطعت يده، لقول الله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وإن اختلس منه شيئًا رده وعزر، وإن قبل رشوة ليسهل لأحد الحصول على بعضه أو الإضرار به اشتد تعزيره ولم يقبل توظيفه بعد ذلك في المواقع التي تصل يده إلى المال العام، وفي كل الأحوال عزله من وظيفته.
وحفظ المال العام ألزم من حفظ المال الخاص، فإن كان ضياع المال الفردي يضر بصاحبه ومن يعول، فضياع المال العام يضر بالإمة كلها، ومنع الضرر عنها أولى من منعه عن الفرد، وإن كان كل منهما منوطًا بالسلطة التنفيذية في البلاد وعليها منعه أن يقع، وإذا وقع أزالته مع كل أضراره وعاقبت من فعله بأشد العقوبة.
وحبذا لو أن أئمة وخطباء جوامعنا، ودعاتنا ومن افترضوا أنفسهم محتسبين علينا، حذروا من العدوان على المال العام وحفظه وتوجيه إنفاقه لمصلحة العباد والبلاد.
فإن التحذير من هذا من ألزم مهام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر ولعل هيئة مكافحة الفساد يظهر لها نشاط في هذا المجال والذي أظنه أهم مجال تعمل فيه، فالفساد المالي هو من أسوأ ما يصيب اقتصاد البلاد بالضرر، ونحن ننتظر أن تظهر وسائل جديدة لمتابعة من لهم صلة بالمال العام حتى نستطيع أن نحافظ عليه ونوجهه لخير مجالات العمل في الوطن فذاك ما نرجو والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: