في آية من كتاب الله، رتّب الله درجات المحرمات، فجعل أدناها الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ثم ثنَّى بالإثم والظلم «البغي»، ثم ثلَّث بالشرك بما لم ينزل الله به سلطاناً، ثم ربّع بالقول على الله بلا علم، فقال عز وجل: (قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ). لقد أكد الله عز وجل ذلك بقوله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)، فأصل الضلال والعياذ بالله أن يقول العبد على ربه أنه أباح كذا وهو لم يبحه، أو حرّمه وهو لم يحرّمه»، يشرع من عند نفسه بلا بيان من كتاب ولا سنة ولا مقصد شرعي، وهمّه أن يُقال عنه عالم، أو كما هو في عصرنا هذا متنور، يبيح كل المحرمات، ويبطل كل الواجبات، ترى له أقوالاً في قضايا كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجمع لها علماء الصحابة خشية أن يقول فيها برأيه فيخطئ وحاشاه أن يتعمد. واليوم نعيش زماناً يتبرع الجاهل بكل علوم الشريعة التي لم يعرفها ولم يتعلمها، ولكنه سريع الإفتاء بأن هذا حلال وهذا حرام، دون دليل من الشرع ولا فهم لنصوصه ولا مقاصده، ثم يقول في تبجّح لا مثيل له: لم يكن الشافعي أو أحمد بن حنبل أو غيرهما من علماء الأمة له الحق أن يقول في الدين ما يشاء وأصنع أنا، ولم يقارنْ بين عقل وحكمة هذين وشخصه، فقد طلبا العلم الشرعي وهما في بدء حياتهما ثم جدّا في العلم الشرعي بجميع صنوفه وحفظوا منه ما يعجز مثله أن يحفظ أقل القليل منه، ولم يقولا في العلم الشرعي قولاً إلا بعد أن بلغا من السن قدراً كبيراً وحتى شهد لهما مثلهما في العلم، فكان العلم صنعتهما مع إيمان وتقوى وخشية من الله شهد الله بها للعلماء من عباده فقال: (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)، فالقول على الله بلا علم، أخطر جهل تصاب به الأمة، حينما يظهر فيها من يقولون وهم جاهلون: هذا حلال وهذا حرام، وهو ما نراه اليوم سائداً بين من لا يخشون الله ولا يخافونه، فيحلّون ما حرم الله، ويحرِّمون ما أحله، ويقعون في عظيم الأخطاء في الدين، ودون أن يهتز لهم طرف، لهم جرأة عظيمة على القول في الدين بلا علم، تسمعهم كل يوم، وإنا لنسأل ربنا عز وجل ألَّا يُؤاخذنا بما يقولون.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …