لعلنا بفضل الله نهتدي إلى قيامها وإعمال ألسنتنا فيها بالذكر، ونصرف النفس عن كل سيئة قد تتوق إليها
إن مما يحبو به الله عباده المخلصين: أن جعل لهم أزمنة فاضلة، تتضاعف فيها لهم الحسنات، ويكون فيها للطاعات طعم مختلف، هو ما أسماه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حلاوة الإيمان حين قال: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار»، وخير أزمنة العبادة التي يمكن للعباد أن يتذوقوا فيها حلاوة الإيمان، إذا أطاعوا الله فيها شهر رمضان المبارك، وخير أيامه العشرة الأخيرة منه، فقد كان سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخلط العشرين الأولى من رمضان بصلاة ونوم، فإذا كانت العشر الأخيرة شمر وشد المئزر، وأحيا لياليها كلها، يوقظ أهله، خاصة في آكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر، وكان يعتكف هذه العشر في مسجده العامر بالمدينة، وقد ورد ذلك صريحًا من حديث زوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأنس بن مالك خادمه، حيث ذكرا أنه إذا دخلت العشر لم يأوِ إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان، وفي حديث أنس رضي الله عنه «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان طوى فراشه واعتزل النساء وجعل عشاءه سحورًا»، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يغتسل كل ليلة ويتطيب ويتزين للوقوف بين يدي الله، ومن العشر السبع الأواخر التي يتأكد ترقب ليلة القدر فيها، ففي الصحيحين عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر»، وفي صحيح مسلم عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي، وهي تتحرى في الوتر من العشر الأواخر ففي صحيح البخاري عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان: في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى… الحديث» وليلة القدر بألف شهر كما ورد بذلك نص القرآن الكريم، (إنا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، ولعل آكد لياليها ليلة السابع والعشرين، ولعلنا بفضل الله تعالى نهتدي إلى قيامها وإعمال ألسنتنا فيها بالذكر، ونصرف النفس عن كل سيئة قد تتوق إليها، ونقبل على الطاعة راجين في آخر هذا الشهر الكريم أن نفرح بقبول أعمالنا، وأن يرحمنا الله رحمة واسعة تشملنا جميعًا، وأن يغفر ذنوبنا، ثم أن نعتق من النار، وهي الغاية العظمى إن حظينا بها فنعم المكسب كسبناه في هذا الشهر، وأن نودع هذا الشهر بعمل صالح يتقبله الله منا، فيتحقق لنا الوعد فيغفر لنا ربنا ما تقدم من ذنوبنا، ونحرص بعد ذلك ألا نكتسب إثمًا، وإنما نكتسب العمل الصالح الذي يقربنا إلى الله، فهذا هو الموسم الذي نأمل كل عام ألا نجتازه إلا وقد اكتسبنا فيه من الحسنات ما يمحو كل سيئاتنا السابقة، وهذه هي الفرحة الحقيقية يوم فطرنا يوم العيد، نسعد بمغفرة الذنوب والإقبال الدائم على الله بعمل صالح من أجل نجاتنا في الدارين، في هذه الدنيا التي نحيا فيها، وفي اليوم الآخر عند لقائنا ربنا، فكل عام وأنتم بخير، وأعاد الله علينا هذا الشهر الكريم في عامنا القادم وقد تحقق لأمتنا النصر إنه سميع مجيب.