ظل يدور على ألسنة الناس وصف لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيُقال: إنه نبي الرحمة المهداة والنعمة المسداة، حيث يقول ربنا في وصفه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، فبعثه الله للناس كافة في آخر رسالاته إلى الأرض، إنما ليُحقِّق لهم به رحمة وهو نعمة أُسديت إليهم به، يستظلون بأفياء رسالته وحتى تقوم الساعة، عبر رسالته هذه (الإسلام) التي كلها رحمة ونعمة، من اتبعها حتى تقوم الساعة نجا في الدنيا والآخرة، ولا يشذ عنها إلا هالك والعياذ بالله، فهي الرسالة الخالدة الباقية، يسعى الناس إلى الإيمان بها طلباً للنجاة، فقد اشتملت على كل ما يُحقِّق لمن آمن بها واتبع أحكامها النجاة في الدنيا، فلم ينله فيها إلا كل خير، وهو في الآخرة من أهل الجنة بإذن الله، ينجو من عذاب الله بالإيمان بها واتباع أحكامها، فقد جاء بها إلى أهل الأرض من وصفه ربه بقوله عز وجل: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، ووصفه أيضاً بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، فأعطاه وصفاً عظيماً ينسحب على دينه، فالإسلام دين الأخلاق السامية، التي ما اتصف بها أحد من أهل هذه الدنيا إلا أحبه الناس وقبلوه، ومن يتلُ كتاب الله ليله مع نهاره، يجدْ ذلك محققاً في هذا الكتاب، الذي بعث به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعو الناس إليه، حتى عمَّ الأرض كلها، فبلغ الصين وأوروبا، ثم انتشر في سائر أقطار الأرض في القليل من السنوات دون قتال، فما عُرِفَ عن المسلمين أنهم قاتلوا أهل إندونيسيا ولا الصين، ولا كثيراً من أقاليم الهند، بل كان الناس يُقبلون على الإيمان به، لأنهم اقتنعوا بأحكامه، وهكذا أعز الله به أمماً لم يُقاتلها المسلمون، وساقهم إيمانهم للدعوة إليه بسلوكهم وأخلاقهم، ولم يحملوا عليهم بسيف، لأن الإسلام كله خير يدعو أهله إلى الفضائل، ويُكرِّه إليهم الظلم والرذائل، والمؤمنون به يدعون الخلق إلى ما آمنوا به وجربوه في حياتهم، ولو ظلوا كذلك لأقبل الخلق جميعهم على دينهم، ولو أنهم لم يطلبوا الخير في غيره، لأغناهم الله به عن كل ما سواه، لكن من انحرفوا عنه أضاعوه، فكانوا له أعداء فأعانوا أهل الشر عليه وعلى أتباعه فسقطوا، وإني لعلى يقين أنهم عائدون إليه.