ذكرى معجزة الإسراء والمعراج

بعد وفاة عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووفاة زوجته أم المؤمنين خديجة أقرب زوجاته وأحبهن إليه، فقد عاش معها عمرًا لم يتزوج عليها، فهي رضي الله عنها من أنجبت له سائر أبنائه وبناته، وهي من كانت في عونه حينما أوحي إليه، فأراد المولى عز وجل أن يريه عنايته به، فكانت المعجزة في الإسراء إلى بيت المقدس ثم العروج به إلى السماء في ليلة واحدة بروحه وبدنه، وهي عقيدتنا في الإسراء والمعراج الذي ثبت بنص القرآن، حيث يقول ربنا عز وجل: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، واحتشدت له قريش صباح ذلك اليوم، لتسأله أن يصف لها ما رأى هناك فوصف بيت المقدس الذي يعرفون كما رآه، وكان أول المصدقين الصديق أبوبكر رضي الله عنه، فكان سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصف ما رأى في رحلته وأبوبكر يقول: أشهد أنك رسول الله، وبهذا استحق أن يوصف بالصديق، والسنّة حافلة بوصف هذه الرحلة النبوية الربانية، وقد أشار القرآن للمعراج في قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ المُنتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ المَأْوَى* إذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى)، وقد تميزت الرحلتان بشيء مفصل، ففي رحلة الإسراء، في بيت المقدس، صلى بالأنبياء، وفي معراجه إلى السماء رأى السموات السبع، وعرف سكانها، حتى انتهى -عليه الصلاة والسلام- إلى الموضع الذي لم يبلغه سواه تكريمًا وتفضيلًا، وإذا كان الذي أسرى بعبده إنما هو الله الخالق المبدع الذي أمره بين الكاف والنون، من لا يعجزه شيء، فالتصديق بتلك الرحلة إيمان، حيث إنها من أسمى الرحلات وهي مزية لم تعطَ لنبي سوى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهي معجزة تدل على فضل من الله آتاه نبيه -صلى الله عليه وسلم- وحينما تعود كل عام نفرح بها، لأنها مكرمة لنبينا -عليه الصلاة والسلام- فنذكر أحداثها ونرويها لأبنائنا، لتكون حاضرة دائمًا في أذهانهم تزيدهم بدينهم إيمانًا، ولرسولهم المصطفى تصديقًا واتباعًا، فإن الاطلاع على سيرته وأحداثها أمر شديد الأهمية لنا جميعًا، وما يعقد من مجالس لتلاوة السيرة وتذكير المسلمين بأيام الله أمر عظيم الفائدة، لأنه يعمق صلتهم بدينهم ونبيهم -صلى الله عليه وسلم- واحتفاء الأمة الظاهر بذكرى هذه المناسبة في جميع أقطار المسلمين في شهر رجب على أن أكثر الروايات على أن الحدث وقع فيه، لون من تذكُّر الفضل من الله عز وجل على هذه الأمة، حيث كشف لها بهذا الحدث ما فُضِّل بهِ النبي -صلى الله عليه وسلم- وما به كُرِّم، ثم إن قراءة قصة الإسراء والمعراج تعيد إلى الأذهان ما سيلقاه عباد الله من ثواب أو عقاب في الآخرة، ففيها من مشاهد النعيم والعذاب ما يجعل عباد الله ساعين في رضوانه متجنبين لعقابه، والعلم بما جرى في هذه الرحلة الكريمة يربط الناس بدينهم بأوثق رباط، ويدعوهم للصلاة والسلام على رسول الله، وليعلموا من أحكام دينهم الكثير، وأن الاحتفاء بذكرى المناسبات الدينية يجعل المسلمين مرتبطين بتاريخهم وتاريخ نبيهم، وبعلم الدين الذي بدأ الكثيرون يهملونه فيقعون في جهل عظيم بالدين، وقد كان المسلمون يقرأون السيرة النبوية في المناسبات وطوال السنة فيزيد ارتباطهم بدينهم دائمًا، وليس في الاحتفاء بذكرى هذه المناسبات أي محظور شرعي، بل النفع منها أكثر مما يتصور أنه ضرر منها، والحقيقة العارية أن علم الناس بحوادث تاريخ دينهم أمر يوثق صلتهم به، فكل عام وأنتم بألف خير بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج، ومرت بكم أعوامًا مديدة تفرحون بها وتتذكرون بعض سيرة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتربون أبناءكم على ذلك.. وفقكم الله وسدد خطاكم.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: