خاطب ربنا سيدنا موسى عليه السلام بقوله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)، قال ابن عباس رضي الله عنه: بوقائع الله في الأمم السالفة يقال: فلان عالم بأيام العرب أي بوقائعها، وشعيب عليه السلام يخاطب قومه مذكرًا لهم بأيام الله: (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ) فأيام الله فيها ما هو سعيد كما فسّر «أيام» بعض المفسرين بأنها النعم التي أنعم الله بها على قوم موسى في إخراجه إياهم من أسر فرعون، وكلا الأمرين في الآية مقصود وما أعظم المنة علينا بولادة سيد الخلق المصطفى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر، وقد يختلف المفسرون على تحديده باليوم إلا أنهم لا يختلفون أنه كان في هذا الشهر العظيم، وبولادته جاءت النذر لمن كفروا بالله تترى أن هناك تغييرًا قادمًا، والأكثرون على أنه ولد يوم الاثنين 12 من ربيع الأول، ثم كانت هجرته التي بها أسس للإسلام دولة في المدينة كانت أيضًا في هذا الشهر حيث خرج صلوات الله وسلامه عليه من مكة في الأول من ربيع الأول، وقدم المدينة لاثنتي عشرة خلت منه وذلك يوم الاثنين أيضًا لثلاث وخمسين سنة من مولده صلوات الله وسلامه عليه، وارتبطت أحداث حياته صلى الله عليه وسلم بيوم الاثنين حيث كانت أيضًا وفاته في هذا الشهر العظيم، ولا يمنع الفرح بيوم مولده وما تلاه مما أنعم به على هذه الأمة بتمام الإيمان والإسلام ومولد النور الذي هدانا إليه هذا النبي الذي اختصه برسالته الخاتمة وارتضى أن تكون بلادنا هي من نبعت فيها، حيث نزل الوحي في أرضها ونشره أهلها إلى كافة أصقاع الدنيا داعين الناس للإيمان بها، فهي نعم متوالية خصنا الله بها كأمة وفرحنا بها غامر على مرِّ السنين، وكلما تذكرنا حدثًا عظيمًا من أحداث هذا الدين الحنيف تذكرنا إمامنا وحبيبنا وقدوتنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي زرع الإيمان بالله وحبه في قلوبنا فكان حبه في قلوبنا لا يخرجه منها كل دعوة باطلة يتجرأ عليها مَن أسودّ قلبه حقدًا وضغينة لنبي الإسلام وللدين الحنيف ولمن حملوه إلى أرجاء هذا الكون العريض، وأثره عليه يدمره، أما الإسلام فباقٍ حتى تقوم الساعة، ثم كان هذا الشهر ذو الأنوار له نصيب عظيم من أحداث هذا الدين الحنيف، فقد حارب المشركون سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطفئوا نور الله الذي أضاء فدحرهم الله ونصره النصر المؤزر رغم قلة عدد من معه، وقلة عدتهم، ولكن الله ينصر رسله حيث يقول: (إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ* يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)، فقد حاول المشركون في الشهر وحده مما عددته من معارك جرت فيه أو كانت للرسول صلى الله عليه وسلم – غزوات أو سرايا ما بلغ عدده إحدى عشرة غزوة وسرية كلها كان نصر الله حليف رسول الله صلى الله عليه وسلم – وأصحابه، وفي بعضها لم يلق قتالًا وفر أعداؤه وهو من نصر بالرعب مسيرة شهر وأشهرها تلك الغزوة التي سميت غزوة ذي أمر إلى بني أنمار الذي بلغه جمع بعضهم لقتاله، وفيها قصة دعثور بن الحارث، الذي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا تحت شجرة يستريح فوقف على رأسه سالًا سيفه وقائلًا: من يمنعك مني فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله، فسقط من يده السيف، وأخذه رسول الله – صلوات ربي وسلامه عليه، وقال له: من يمنعك مني فقال: لا أحد فأسلم ورجع إلى قومه يدعوهم للإسلام، وأشهر هذه الغزوات التي حدثت في هذا الشهر غزوة سفوان وتسمى بدر الأولى، وغزوة بني النضير، وغزوة دومة الجندل وغزوة بني لحيان ومن السرايا سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة، وسرية حمزة بن عبدالمطلب وغيرها، وكانت حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم، كلها نضال ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وإذا كانت الرسالة قد أتته وهو في الأربعين من العمر فقد كانت أيضًا يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت في رمضان حينما نزل عليه أول مرة القرآن صلى الله وسلم وبارك عليه سيدي رسول الله ما أعظم ما حبانا به الله، أن أرسله إلينا فمضى يدعو إلى دين الله ثلاثًا وعشرين سنة، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وتوفى وهو في الثالثة والستين من العمر، اللهم اجمعنا به في مستقر رحمتك يوم أن نلقاك يا أرحم الراحمين.