جل أحداث العرب محزنة

مثل أن تشتت العرب في دويلات صنع حدودها المستعمرون الأعداء، ولا يزالون يحاولون تقسيمها بعد أن قُسِّمت إلى دولٍ أسموها وطنية أو قومية، وأغروا بعضها بالبعض الآخر، حتى تصبح بينهم عداوات لا يمحوها الزمان، مرة على تلك الحدود المصطنعة، ومرة على خلافات إذا بحثتَ عن جذورها فلن تجد شيئًا يُسبّبها بهذه الحدّة، إن العرب اليوم يُفشِل بعضُهم جهود بعض، وكأنهم استمرأوا الضعف وراق لهم، فلم يرتضوا له بديلًا، وحافظوا عليه بكل ما امتلكوا من مقومات، ولم يندمجوا في حضارة عصرهم التي قامت على الاختراع والابتكار والتصنيع، وهم للأسف في نزاعٍ دائم مع كل ما يؤدي إلى التقدم، وعندما جثمت على صدورهم دولة الخلافة المشوّهة التركية، فدمَّرت كل ما بقي لهم من حضارة زاهية حتى أنها اعتدت على لغتهم وثقافتهم، ووجدت من بينهم من زعم لأهله أنها دولة الخلافة الإسلامية، التي يجب نصرها ولو دمرت كل شيء، ولما انهارت بأيدي أهلها وعاون العرب في زوالها لم يكن ذلك برأي لهم، وإنما حُرِّضوا عليه من الغرب، وأصبحت الخلافة المزعومة لا وجود لها، ولم يحاولوا أن ينضموا إلى بعضهم بعضًا في دولة عربية مسلمة تحيي تراث أمة قُهرت، بل بدأ بعضهم يختلفون حتى على هوية هذه الأمة، أعربية أم إسلامية، وما علموا أن العروبة والإسلام وجهان لعملة واحدة، كانت أقوى الهويات وأعظم الحضارات، ولما أنشأت الدول اتحادات ومجموعات إقليمية، حاولوا فعل ذلك، لكنهم فشلوا، فجامعتهم العربية تهاوت منذ سنواتها الأولى، ولم تنجح قط في أي أمر تصدت له، وحاولوا إنشاء كيانات إقليمية أفضلها كان التجمع الخليجي، لكنه حتى هذه اللحظة يراوح مكانه ولم يحقق للوحدة والتآلف شيئًا كثيرًا، وتتلفت حولك فلا تجد تجارب حضارية ناشئة إلا ما تقوم به دول اختارت العصر وحاولت الاندماج فيه كدولة الإمارات، ومعها ثلاث دول خليجية أخرى من بينها بلادنا، وإن تفاوت الجهد بينها لبناء حضارة معاصرة تنهض بشعوبنا، والاختلاف في الرؤى والسياسات كاد أن يكون أمرًا طبيعيًا بين الدول، لكنه لا يمنعها أن تعمل لنهضة شاملة معًا، فلم يضر الدول الأوروبية ما بينها من خلافات إلا أنها نجحت في إنشاء كيان ضخم أصبح له دور حاسم في سياسات العالم، وكان يمكننا أن نفعل ذات الشيء فنبحث عن ما يجمعنا لا على ما يفرقنا، ولفعلنا ما فعلوا لنكون قوة في عالم تتصارع فيه الأمم، ولا تنجح إلا مَن عرفت كيف تستفيد مما يمكن أن تتفق فيه مع الآخرين، فالتطابق سادتي في المواقف أحد المستحيلات التي لا يمكن تحقيقها، أما استغلال ما يمكننا الاتفاق عليه وأن يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، فنستطيع أن نضم جهودنا إلى بعضها ليكون لنا كيان فاعل في هذا العالم، فهل تُدرك أمتنا العربية أن السياسة هي فعل الممكن، لا السعي وراء المستحيل تحقيقه، هو ما أرجو أن يحدث، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: