من حكمة الله عز وجل أن فضل بعض الأزمنة على بعض لينتهز العباد الزمن في عبادة الله فيملأوا حياتهم بعظمة الله، ويلجأوا إليه في خير أزمانهم استعداداً لزمن يحصدون فيه ما زرعوا. وأعظم الأزمنة التي جعلها الله موسماً تعبدياً هو شهر رمضان، الذي حثهم أن يشحنوا لياليه وأيامه بصلة دائمة بربهم فيجنوا من الحسنات ما يؤهلهم في الآتي من حياتهم التي لا عمل فيها وإنما يثابون فيها على ما عملوا في هذه الدنيا، والتي أسماها ربنا بالحياة الآخرة، التي هي دار الخلود فلا فناء، ودار الحساب فلا عمل بل ثواب أو عقاب. وكلما استغل العبد هذه الأزمنة الفاضلة فشحنها بعمل صالح متوالٍ كلما نجا من هذه الحياة الدنيا وجنى خير ثواب، لتأتي حياته الأخرى الدائمة السرمدية بكل ما يسره ويسعده، ولا نجاة أفضل من هذه النجاة لكل عاقل يريد الوصول الى آخرته وهو مطمئن الى ما سيلقاه فيها، من أول يوم يودع فيه هذه الدنيا ليستقبل حياته الأخرى، يلقي ربه وهو راضٍ عنه، راضٍ عن كل ما قدمه، قد حشد له ثواباً على ما فعل بخير الجزاء، إنه الجزاء الأوفى، الذي يتضاعف فيه ثوابه عن كل حسنة عشراً حتى سبعمائة ضعف، وهذه هي التجارة الرابحة التي أقبلت أيامها الآن، فكل عام وأنتم بخير، فقد أقبل زمن الخيرات فتسابقوها فلا يمضِ أحدكم من زمانه فيها ليلاً أو نهاراً إلا وهو في محرابه يصلي ويحرك لسانه بذكر مولاه، ويمنع نفسه في نهاره عن كل ما يجرح صومه فلا أكل ولا شراب، ولا إطلاق للسان في أعراض العباد، ولا تجنيَ عليهم بسوء خلق أو سيئ الألفاظ، والحجة أنه صائم، بل يصوم عن كل معصية لله، ويخلص له العبادة، فيغسل بالعمل الصالح نفسه من الآثام فيرضي ربه، ويرضي نفسه بطاعة ربه، ويساعد نفسه بالإقبال على ربه، حتى يصبح هذا الاقبال له عادة لا يتخلى عنها ما بقي من أيام حياته، فإذا به يتحول الى ولى لله ديدنه الطاعة، ويصرف نفسه عن المعصية، وهنيئاً لمن هذا حاله ويستمر عليه حتى يلقى ربه، فالاعتصام بالطاعة سادتي هو ما يحصل به العبد السؤدد الذي لا مثيل له، يغشاه به النور، ويراه الناس في المشهد العظيم وقد فاز. ومن منا لا يسعى لهذا ويريد أن يحققه ليكون من المقربين. أهنئكم باقبال موسم الطاعات شهر رمضان المبارك بلغني الله وإياكم أيامه ولياليه وأشغلنا بطاعته فيه، وفزنا بأعظم الثواب، فهنيئاً لكم الطاعة مقدماً وأسعدكم بثوابها، فاقبلوا على ربكم فقد دعاكم الى موائده العظيمة في خير شهورعامكم. اللهم تقبل منا ما نعبدك به ونجِّنا اللهم من معاصيك وعقوباتها.
شاهد أيضاً
إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس
الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …